كتبت: أ. ريجينا صنيفر
مركز تموز والمجلس الثقافي بلاد جبيل
متابعة: هلا حداد، الصور للمخرج@GaroTNT
يعتقد البعض اننا عندما نتكلم عن عالم ما بعد الإنسانية، ربما نتكلم عن المستقبل أو اقله عن الغد القريب. هذا لأنه من الصعب تخيل هذا العالم خارج شاشات السينما أو حتى اخذه على محمل الجد او لعدم القدرة على رؤية الصورة الكاملة لهذا العالم لتشعب مكوناته وعدم ترابطها شكليا.
اما في الواقع، فان هذا العالم لم يعد خيالا ولا مشروعا مستقبليا لا بل على عكس ذلك، نحن نلحظ تسارعا غير مسبوق في تكوينه من خلال مبادرات ومشاريع متعددة تتكامل وتترابط تدريجيا لتظهر لنا صورة اوضح واكمل لعالم ما بعد الإنسانية.
ما هو هذا العالم الذي يرمز اليه بـ +H؟ من وراءه ؟ ما هي الأفكار التي يحملها و ما هي اهدافه ومطالبه؟
عالم ما بعد الإنسانية او ما يمكن ترجمته بالفرنسية transhumanisme, و post humanisme هو اولا حركة فكرية يعبر عنها اشخاص منظمون داخل عدة دول وشركات ومواقع قرار. يمكن تلخيص افكارهم كالتالي: ارادة تغيير الحالة الانسانية la condition humaine حتى تخطيها بتعزيز قدرات الانسان العقلية والفكرية والجسدية وذلك بفضل تقارب علوم NBIC (تقنيات النانو، التقنيات الحيوية، تقنيات المعلومات والعلوم المعرفية).
يسعى المشروع الذي يحمله أصحاب هذا الفكر والذي بدأ مسيرته الفعلية، الى تجاوز حدود الانسان البيولوجية بفضل التكامل بين الإنسان والآلة إلى درجة احتمالية احداث قطع في استمرارية الإنسان.
يقول أصحاب هذا المشروع :
بما أن الانسان يتطور بشكل غير منقطع، على الانسان في زمن العالم الرقمي ان يواكب هذا التطور بتعزيز نفسه وان يتحكم بمصيره التطوري فيتخطى الحالة الانسانية.
ويسعى الناشطون من أجل هذا العالم لإزالة الفجوة بين الطبيعة والتكنولوجيا. ففي نظرهم، ان الطبيعة هي تقنية والتكنولوجيا طبيعية و بما ان كل شيء اصبح رقمي، بحيث يكون الجسد أداة والأداة عضو جسدي اذ يمثل الجسد بالنسبة لهم عائقا فقد وظيفته ويمكن استبداله بشكل مفيد بأعضاء ميكانيكية وإلكترونية وبالذكاء الاصطناعي.
يتخلى أصحاب هذا الفكر عن المبدأ القائل ان الطبيعة البشرية غير قابلة للتغيير وانها مقدسة مما قد يفرض عليهم حدودا. ويذهب ال post humanistes الى أبعد من ذلك مع فكرة انتاج كائنات ذكية من دون جسد ولا احد يعرف بعد الشكل الذي ستتخذه و مدى قدراتها التي ستتفوق حتما على قدرات الانسان.
هذا الفكر المبني على فلسفة نيوليبرالية والمرتكز على نظرة فوقية يمس بطبيعة الجنس البشري. فباضافته نوعا جديدا وهو الإنسان المعزز الذي يتمتع باكثر من السمات الجسدية أو الذكاء الانساني أو غيرها من السمات الثقافية والسلوكية،
يمهد الدرب لصراعات من نوع جديد بين هذا الكائن المتفوق الذي سيتصرف كانسان- اله خالق لكائنات وبين الآخرين.
كل هذا، وحسب ما يقولون بالطبع، من أجل مستقبل أفضل للبشرية وباسم الحرية الفردية التحررية.
وعلى سبيل المثال هذه بعض من مشاريع عالم ما بعد الانسانية والتي قد تكون احيانا علنية وغالبا ما يكون تطويرها صامت وغير معلن:
– التخلص من الموت.
– انتاج السيبورغ أو الإنسان المهجّن والمعزز بأعضاء اصطناعية وبالإلكترونيات اي نصف إنسان/ نصف آلة
– الاختراق البيولوجي Body hacking
– الاستنساخ clonage
– التعديل الجيني
– تحسين النسل والاصطفاء
-إمكانية التخلّي عن الجسد
– نقل الشيفرة الجينيّة إلى كائن حيّ مستنسخ
– تحميل العقل
– الخلود الرقمي. Minduploading
– مواصلة استعمار الفضاء والحياة المتعددة الكواكب
– تطوير الابحاث لإطالة عمر البشر الأصحاء
-استكشاف إمكانية توسيع الوعي البشري وتقنيات تغيير الوعي.
– تكثيف انتاج الروبوتات
-إعطاء الحقوق للروبوتات كشخص من صنف ثالث : الشخص المعنوي والشخص الانساني
-تطوير الروبوتات لجعلها قادرة على اتخاذ قرارات من دون تدخل بشري
– تشجيع تأجير الأرحام GPA
-الإنجاب بمساعدة طبية PMA
يعمل اصحاب هذا الفكر على مقبولية هذه المشاريع في المجتمعات acceptabilité ومع اصحاب القرار عبر اللولبييغ وبواسطة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التربوية في المدارس والمشاريع الثقافية.
أما عن العلاقة مع حقوق الإنسان، يستعمل ناشطو عالم ما بعد الإنسانية شعارات ومبادئ شرعة حقوق الانسان كاداة لخدمة مشروعهم.
ان الفلسفة الليبرالية والفردية التي ارتكزت عليها صياغة حقوق الإنسان هي بنظرهم صالحة لتطبق على المشاريع التي تطرحها التطورات العلمية والتكنولوجية. فالحريات كمبدأ تأسيسي لحقوق الإنسان تشكل مكونا ضروريا لمشروع ما بعد الإنسانية كذلك حق الفرد في التصرف في جسده يحاكي منظور “الحرية المورفولوجية” التي يطالبون بها وعلى وجه الخصوص الحق في تغيير الجنس.
ويستغل هؤلاء بعض الثغرات في شرعة حقوق الإنسان لاقتراح تعديلات أو نصوص كما صدر في بيان Transhumanist World Association (WTA) الذي تم إصدار آخر نسخة منه عام 2012
في هذا النص تنحى الطبيعة البشرية جانباً كمعيار لمنح حقوق الإنسان لان أحدا لم يعرف هذه الطبيعة او يحديد ماهيتها. فالشرعة لا تقول ما الذي يجعل الانسان إنسانا مما يفتح لهم المجال باستبدال الطبيعة البشرية بمصطلح الوعي.والسؤال في هذا المجال هو تحديد ما إذا كان للوعي ركيزة بيولوجية أو هل يمكن أن يكون له ركيزة اصطناعية
مثل الكمبيوتر على سبيل المثال؟
النص المقترح وعنوانه “الإعلان العالمي لحقوق ما بعد الإنسان، أي الفرد الواعي، يقول التالي :
“جميع الكائنات الواعية تولد أو تخلق حرة ومتساوية في الكرامة والحقوق.الإنسانية : بدل يولد جميع الناس أحراراً
Tous les êtres conscients naissent ou sont créés libres et égaux en dignité et en droits.
فيما يتعلق بشرط عدم التمييز الذي تنص عليه في المادة 2 من هذا النص، يقترحون إعادة صياغته على النحو التالي: “لكل فرد أن يستفيد من جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، دون أي تمييز من أي نوع، ولا سيما بسبب العنصر، اللون، الجنس، المواد المكونة، اللغة، الدين، الرأي السياسي أو أي رأي آخر …
كيف من الممكن التكلم عن حقوق الإنسان أمام مشروع يهدف إلى الخروج من الانسانية؟ وهل يمكن لحقوق الإنسان بشكلها الحالي حماية الانسان في مرحلة ما بعد الانسانية وهي التي عجزت عن حمايته في عالم الامس؟
ما هو مؤكد أنه إذا ما مسسنا بالقاعدة الأساسية التي بنيت عليها حقوق الإنسان اي الطبيعة البشرية ، فإن الصرح كله سيتصدع سريعا قبل ان ينهار تماما.
واخيرا، في هذا العالم هاهو قايين المزارع الذي ظن انه لا يشبه اخيه هابيل راعي الغنم والذي قتله
مستخدما الآلة التي ابتكرها، ها هو يدخل الجنة التي طرد منها الله آدم وحواء
ويأكل مجددا من الشجرة المنهى عنها شهوة بالخلود
سيسأله الله اين آدم ابوك؟ كما سأله اين هابيل اخوك؟» وسيجيب قايين حتما لقد قتلته وابدت جنسه واستوليت على نسله وأصبحت مثلك خالقا. انني الآن بالحق ابن الافعى.