كتبت: حنان فضل الله
على صفحته الرسمية على موقع فايسبوك، أعلن منذ أيام، عن تحرير كتابه الأخير من “كلبشات”.. التجميع، المراجعة، الإعداد ثم الطبع وما بينها من مراحل.. أو ربما لم يفعل.. دفعها الى المطبعة كما كتبها بلا مراجعة او تنقيح..
أقرَّ بأنها جُمعت على مدى 30 عاماً وهي كما وصف: “خلاصة ما أعتقد، وما أظن، وما أتخيّل”..
عبد الحليم حمود للتذكير، كاتب روائي “خطير”، خطاط جميل، فنان تشكيلي يضرب بريشته مجرّباً كل المدارس لدرجة صيّرته أشكاله والألوان “شيخ كار”.. والأهمّ أن الفكر عنده لا يبدو أنه أكثر من ملء عمر.. رسام كاريكاتور مبتكر إضافة إلى مزايا إبداعية أخرى..
هل عرفتم أحداً يتسلّى بالتفكير؟ عبد الحليم حمود يفعلها..
في كتاب الجمر أسئلة في الله والوجود والمجتمع والإعلام والنفس وعيها ولاوعيها، أناه أنانا كلنا!!
لا حدود لِحِبْرِه.. لا حدود..
تدخل نصّه، أياً كان موضوعه- مواضيعه- ولا تخرج سالماً.. تسكنك الأسئلة الجريئة.. وتسمع صوتك أمام شذراته هاتفاً: أفففففففففففففففففففففففف!!!
أف للجرأة.. أف للصراحة.. أف للسذاجة.. أف للبساطة والتبسيط.. أف للعمق.. أف للأبعاد السبعة والحواس الست..
وتُغبطه على وسع مداه، في الوقت في الفكرة في الطرح..
تُغبطه على فرح تتخيّله يعيشه مع كل كتاب “يَلِدُه”..
تُغبطه على كل هذا الجَلَد بالتفكير والجمع وابتكار الافكار والبحث فيها وفي معانيها رغم احمرار جمرها.. وتقول في سرّك: عبد الحليم يملك الزمن لا الوقت فقط.. ثم تتنهد: “نيالو”!!
هل قلتَ كتاب الجمر؟
هل يكفي عبد الحليم حمود عمرً واحد ليفنّد كل ما يستوطن عقلَه؟
إذن.. آخر انجازاته الفكرية التي ضمّتها دفّتا كتابه الأخير: كتاب الجمر عن دار زمكان..
من هذا الكتاب سمحنا لأنفسنا، بنقل بعضٍ “حرّاقٍ” مما جاء في الكتاب، بفصوله: باقات الجمر – فضاء المطلق – إعادة ضبط – تداعيات الفكرة -قعر الذات- روح المجاز: ⇐ثمة اختناق في صدري لا ينجيني سوى عملية تنفس اصطناعي من فم الله
⇐الحقد الأعمى، أخطر إذا أبصر
⇐الأهم أن نجدَ إلهاً يؤمن بنا..
⇐ تحت تلك السنديانة الضخمة، يكبر الشجر على سماد الأجساد حيث تمتصّ الجذور الأرواح فتورق لتصنع ظلها، هكذا يتفيّأ كل ميت في ظلّ روحه.
⇐ في بيت الله، لا تختفي الأنا، تُضاء.
⇐ إذا استطعت الانفصال عن باقي القطيع، احذر انضمامك إلى قطيع آخر
⇐ غدت جميع الشاشات بحيرات لنرسيس، الغرق المتشظّي…
⇐ ومنا من يقود حياته غائباً عنها، كأنه طيار آلي بديل الأصيل.
⇐ وسائل التواصل ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي في بعض تجلياتها “الحياة” كما لم ننتبه لها، في يومياتنا العادية، على الصفحة الرئيسية، تمر أمامنا صورة شهيد، ألبوم عرس، وليمة في مطعم بيروتي.. طفل يمني جائع.. خبر سخيف في موقع مشبوه.. تحليل فلسفي عن الألسنية لتشومسكي.. قول مفبرك لأينشتاين .. شكوى من طول شهر كانون.. إضاءة أوتوستراد بحري .. قصيدة سطحية.. فيديو ندبة عراقية.. فنجان قهوة على خلفية أغنية “طلوا حبابنا طلوا” لزكي ناصيف.. كل هذا في أقل من دقيقة! لا اعرف ان كان الامر ايجابياً، لأن التكثيف لا يعطي الدماغ الوقت الكافي للتحليل او لاستخراج العبر. فهو قد يخلق تبلّداً في العاطفة، والانفعالات. فلا يبقى الموت موتاً برهبته ولا العرس عرساً بفرحته. أما تطبيق الفايسبوك فيطرق في رؤوسنا ابواباً، لم نكن لننتبه اليها، لولا هذه الطريقة، فهو يقدّم الذكريات كل يوم، في استعراض تراتبي: منذ سنة، سنتين، ثلاثة.. لندرك أننا نعيد ذات الشكوى ولا نتقدّم إلا بالعمر. يومياً، نكتسب صداقات جديدة! لا، ما من أحد جديد، جميعنا نصبح قدامى، حين لا نمتلك آليات مختلفة في التفكير، ومقاربة الأشياء والملفات وغيرها.. حين يتكرّر الناس ويصبحون جميعاً من الصنف ذاته، ومن الماركة ذاتها ولكن بنكهات متعددة. لقد شكلتنا الحياة بأمزجة، وعقائد، وقناعات. إلا أن وسائل التواصل سمحت لنا بإعادة تشكيل تأليف ذواتنا. ليس خداعاً ولا قناعاً بل فرصة خلق واستنساخ كمحاولة للعيش بأكثر من حقيقة وأكثر من وجه.
⇐ حين تروّض المسافة، لن تخذلك الطريق.
⇐ خالف لتعرِف.
⇐ لم نعتد على الاعتذارات. لذا نفضّل موتكم، لنتجنّب تلك المواقف، حينذاك سوف نرثيكم بأجمل العبارات، وسنعترف بأفضالكم، ومآثركم، وصوابية خياراتكم. فقط موتوا لنمسح سكاكين أخطائنا بأطراف أكفانكم.
⇐ ذبابة مايو، هو اسم هذه الحشرة. تعيش في الماء لمدة تقارب ما عشناه في مياه بطون أمهاتنا. ولكن ما ان تدخل تلك الحشرة حيّز الحياة فوق الماء حتى تبقى بضع ساعات ثم تموت. لذلك يسمونها الذبابة اليومية. في هذا النهار اليتيم الذي تعيشه، تتزاوج وتتكاثر، ثم تلفظ أنفاسها. مثلها نحن، ونتكاثر ونموت، بالمعنى النسبي، كلنا يعيش الحياة كأنها يوم واحد. دعك من الابداعات والملذات والانجازات. هي تفاصيل ليست ضمن ضروريات الوجود. هذه الحشرة هي أيقونة معتقدي الخاص، علمتني كيف أكون خفيف الوطأة على الوجود، لا أعبث بالطبيعة، ولا استنفد طاقاتها، ولا أكون عبئاً على مخلوق، ولا أجهد لإثبات شيء. أطلّ بخفر ، أقوم بواجبي الطبيعي بالنسبة إلى الأكل والنوم، ثم أغادر دون إحداث جلبة.
⇐ أصابتني قشعريرة الرفض ، هزة الشكّ لعنة الوثوق بكل السياقات من مطرقة داوود إلى ابرة ادريس الى فلك نوح وأفاعي موسى وشهوة يوسف.
⇐ فقدت الثقة باللغة كوسيط للفكرة.
⇐ انتبهت أن دواعي جبل خيطان صوف معربس، وما دوري الفعلي لكل الزمن القادم، سوى بضع محاولات لفكفكة تلك الخيوط، أو حلّ بعضها عن البعض الآخر. مما يعني أنني أعطّل نول الحياة الأعظم، الذي يغزل العربسات، مع كل استدارة لعقارب الساعة.
⇐ جميل أن نرى أنفسنا في مرايا الآخرين، مع الالتفات أن الآخرين مثل مرايا السيارات، لا يقدمون الأبعاد الحقيقية. ثمة فرق بين الثابت والجامد.
⇐ حين تطلب من أخيك الإنسان، ترفّق به، وليكن طلبك متواضعاً يا إنسان، أما حين تطلب من الله، فكن مثل آلن شستوف الذي طالب الله بما يفوق المستحيل! أن يعود بالزمن ليلغي حدثاً عرفته البشرية مثل إدانة سقراط، أو موت أبناء ايوب. يريده أن يحمل ممحاة ويلغي الأمر كأنه لم يكن إلى حدّ أن ننساه نحن البشر، ونتذكر الشكل المعدّل فقط. اطلب ألا يحصل الذي حصل. تخطّى المعجزة بما هي عليه من خرق لقوانين الطبيعة. اطلب من الله أن يخرق قوانين لا يستطيعها.
⇐ انتبه أنطونيو غرامشي إلى تلك المساحة الوهمية بين المثقف (أكاديمي، كاتب، فنان، مخترع)، وبين العامل (فلاح، سبّاك، عمّار) فرفض المصطلح بصورته السيميائية الأولى وأعاد تركيبه ضمن منطق يعتبر الثقافة في أي إنسان له خبرة في مجاله، وبذلك ما من مبرّر لاستعلاء هذا على ذاك. فالفلاح يعتبر مثقفاً عضوياً فاعلاً، متحركاً في بيئته الطبيعية، وهو ذو منفعة عامة.
⇐ بهدوء شديد، تحدث تغييرات عميقة في شخصياتنا، ننتبه لها حين نلتقي صديقاً قديماً. في لحظة، تحضر صورنا السابقة بكامل خواصها. في الصحبة القديمة اختزان لمرايانا التي استودعناها في مخازنهم. ماذا نرتجي من فاقد أدوات الغوص في أعماق ذاته، بأن يصبح أعماق الآخرين؟!
⇐ ثمة فارق بين الجنون المجنون والجنون المرتكز على مخزون معرفي. الأول اكثر لذة لكنه انتحاري، الثاني ملجوم بهذيان استعاري.
⇐ أمثالي الذين لا يحفظون أسماء الورود، الورود أيضا لا تحفظ أسماءهم.
⇐ اذا اردت ان تدهش الزلزال، ارقص.
⇐ تعمّدت دسّ اصبعي في النار، وقضم مكعّب الثلج، وغرز الدبوس في خدي، والقفز من علوّ طابق. كان يجب أن اختبر حتى اهتف في كهف ذاتي: ثق، انما دون اغماض أياً من حواسك الخمس.