كتبت: حنان فضل الله
عبد الواحد البكر “السّوري” رابح اللوتو “اللبناني” في إحدى إصداراته الأخيرة.. حصد في “برمة” طابات الحظ نحو 90 مليار ليرة لبنانية ما حِسبتًه “حرزانة” على تسعيرة السوري واللبناني معاً..
الرجل فاز بالمبلغ، وربح جائزة إنقاذية لكل محتاج.. وحتماً هو محتاج، بارك الله في رزقته وعسى أن يحقّق من خلالها أحلاماً بقيت مؤجلة..
عبد الواحد ومنذ 16 عاماً، “بلعب وبسحب” لدرجة أن صاحبته (هو وصفها كذلك) فيليبينية الجنسية، كانت تقول له “أوعا أوعا عم تحطّ مصاري كتير” وهو يصر على الاستمرار في السحب على أمل اذا مش الاثنين الخميس” وأيضاً كان يدعوها لتعدّ له حقيبة أو حقيبتين لأنه “بدي عبيها مصاري”!! قد لا تتسع حقيقبتان لكمية الورق الذي يشكل الثروة التي تكوّمت أمامه بسم الله ما شاء الله..
لقد صار عبد الواحد- وبإذن الواحد الأحد- ثرياً وصاحب أحلام، عسى أن يحققها.. أين؟ تلك هي المسألة!!
بسرعة ومن دون تفكير كثير، باح عبد الواحد البكر بمكنونات صدره وما “يختمر” في عقله الباطني: “بدي افتح مشروع هووووووووووون”!
“هون”.. هنا.. يعني بذلك: في لبنان..
ما سرّ الغرام وعشق هذا البلد؟
عبد الواحد البكر المقيم في لبنان منذ ما قبل الأزمة السورية، واضح من تواريخ “السحب”، اختار لبنان ليفتح باب رزقه: “ميني ماركت”..
وقبل السؤال الأهم “ليه هون” وليس في وطنه الأم سوريا؟ لا بدّ من المرور على بعض التصنيفات التي تفرض نفسها في مثل هذه المناسبة، للإعادة: سوري ربح اللوتو اللبناني وقرر أن يفتتح مشروعه التجاري “هون”!!
هل من أحدٍ، لبناني، سوري أو في “أكلس” تشبيه: سويسري- فرنسي- فنلندي- نيوزيلاندي- أميركي- بريطاني يمكن له أن يُنكر، أنه لكل بلده ناسه الأكابر، أولاد الأصول والحسب والنسب والقيمة والمبادىء والعادات الأصيلة.. وأنه أيضاً هناك الرشوشوح واللّبصة والبغيض وبلّوعة بلده؟
بلوّعة بلده؟ طبعاً..
في سوريا- عادي، وكما بلدان أخرى، منها المذكورة جنسيات أبنائها أعلاه، التصنيف ذاته، هناك الأصيل وهناك اللي “بايعها”.. بايع بلده بـ “فرشة اسفنج”، خيمة نزوح، كرتونة مساعدات، بطاقة أمم، يد ممدودة للشحادة على مفارق الطرق وإشارات المرور، زائري البيوت والمكاتب لطلب مساعدة مع عيون لا تخجل.. فالطلب لغير الله مذلّة، إلا عند هؤلاء حيث الشحادة و”المَسْكنة” صارت عادة!!
في سوريا، هناك الشبعان الذي أصر على البقاء في بلده، صابراً على القلة والحصار المُحكم وانقطاع الماء والكهرباء وارتفاع الأسعار و”كفر” تجار المراحل وصعاليكها.. صمد فيها وأحبها في قهرها كما في أيام عزّها.. وهناك البعيد عنها الذي يعدُ نفسه بالعودة إليها ليساهم في إعادة الحياة إلى شرايينهاالتي يمدّها بتعب الجبين ودمع العين، بما يقتصّه من عرق جبينه الحلال ليدعم أهله.
وهناك (هون بالذات، في لبنان) “اللبصة” بل “النازح اللبصة” الذي يتنفّس هواء بلاد أخرى لأنه “ببلاش ويللي ببلاش كتّر منّو”، ويستهلك ماءها ويسمّم بيئتها.. يرضى هوانَ العيش تحت سقف مهترىء، يحشر نفسه وزوجته (و.. مثنى وثلاث ورباع) وإن لم يعدل ولن يعدل، فلكل واحدة خيمتها مع خِلفتها، ليكثر النسل والمصروف وتسوّل المدخول.. وطبعاً النقّ من فقر الحال لا العقل التدبيري..
هذا اللبصة، ترك وطنه لغربان البين لأنه يتكسّب ويتنفّع و”يفقّس” ويسوّد وجه بلاده وأهلها، و”مش فارقة معو”.. هو أينما وُجد يستجلب “المسبّة” لمن “خلّفه”!!
هذا بالذات تتبرأ منه سوريا والسوريون قبل أي وطن آخر ومواطنين آخرين..
في تركيا التي شاركت_مع غيرها من الأقربين والأبعدين- في سفك وإباحة واستباحة الدم السوري- الموالي والمعارض ولـ بين/بين- يطردون السوريين النازحين، لأنهم صاروا عالة وعبئاً ثقيلاً، يصفون النازحين بأقذر الأوصاف، يخرّجون منهم بالعشرات يومياً وبالقوة، مقيّدي الأيدي..
في مصر، بدأت الأصوات تعلو لترحيل النازحين “اللبصة”، أما من لا يشكّلون لوثة في النسيج المصري، فلا أحد يتحدّث عنهم، بل يتعاطفون معهم ومع ظروف نزوحهم ويمدون لهم كل عون ممكن.. كما في أي دولة أخرى، ولبنان في المقدمة.
واللائحة تطول..
عودة إلى عبد الواحد البكر، الذي لا يُعتبر نازحاً، لكنه محب للبنان ونمط عيشه وهوائه وسمائه والرزقة فيه حتى الـ.. التصاق.
والسؤال الأهم: لماذا اختار “هون” وليس بلده الأم سوريا؟
لِمَ لا يفتتح عبد الواحد مشروعاً في بلده الأم سوريا؟ هل عِشقُ لبنان يُنسي الواحد.. عبد الواحد أصلَه ونَسَبه؟ لِمَ لم ْيفكّر بافتتاح مشروعه في الفيليبين، موطن صديقته- صاحبته التي نرجو لهما التوفيق إن استمرّ في حبها ونفّذ وعده لها بالزواج.
قد يكون الجواب- والله أعلم- أن لبنان الذي كان (ولا يزال) “قطعة سما عالأرض تاني ما إِلا”.. كما صدح الكبير الراحل وديع الصافي ذات إبداع.. بات اليوم “قطعة مغناطيس” تجذب كل أنواع معادن البشر.. من الذهب إلى التنك المصدّي!!