قلبي على بلدي- قجّة

حنان فضل الله

لعلّ الإثبات الأقوى لإسرافنا في صرف الأموال (أموال، تعبنا وعرق الجبين) هو كثرة “الفراطة ” تتوزّع في جيوبنا، ثنايا الجزادين، الكوب البلاستيكي على البرّاد أو رفّ المطبخ.

و”الفراطة” هي مجموع ما يتجمّع من قطع صغيرة تزيد على القطع الكبيرة بسبب الصرف وما.. نحوه !!

ومن لم يصدّقني فلـ..”يبحبش” في أقرب زاوية ويرجمني بـ 250 أو 500 ليرة .. تلك “المصاري” التي نسمّيها ظلماً فراطة وتصغيراً “فرافيط”… نستصغر شأنها وقيمتها ومفعولها ذات “قَطعة”!!

ولولا “قسومه” اما عرفت- صدقاً- قيمة الفرافيط ورفعتها إلى مقام الفراطة وحجزتها في “قجّة” سمينة، أهداني أيّاها ابن السنوات السّبع.. كل هذا وذاك، حدث بفضل هذه الحادثة..

هذه هي.. ومن هو “قسّومه”؟!

هو ابن الناطور، وترقيمه السادس أو الثامن.

طفل ولا كل الأطفال.. “فقسة” ذكاء، شعلة نباهة، تشرقط النباهة من عينيه الزّرقاوين، أفظع ما فيه “تحليله الإقتصادي”..

من عادة الصّبي أن “يطحش” لمساعدتي في حمل أغراضي أو أكياس المشتريات صعوداً إلى بيتي والنزول ببدل أتعابه من “فرافيط” يشتري بقيمتها ما تستحليه عينه “كيس بطاطا، بونجيسا، وبزر زغير للماما لأنّها عم “تتوحّن” (تتوحّم)!!.

طبعاً أخرج الصّبي من المدرسة لأنّ والده “ما معو مصاري ومش عم يلحّق أكل وشرب ومصاريف وحفاضات”!!

كل يوم تقريباً، يمدّ قسّومه يده لمساعدتي، ينتظر عند الباب حتّى أخرج “الفرافيط” من طرف الحقيبة وأعطيه.. إلاّ اليوم حيث:

– “طانط”!! اقترب من سيّارتي، فظننت كالعادة أنّه أسرع لمساعدتي، خصوصاً أن عربة بائع البوظة الجوّال تبدو من بعيد، ولعله يشتهي “قرن” يبورد قلبه في عزّ الصيف.. ابتسمت لقسّومه وإذ به يناولني “شيئاً” ملفوفاً بورقة جريدة:

– “طانط!! جبتلك هديّة حتّى تخبّي فيها الفراطة، بتعوزيها أكتر مني!!

التعليقات