كتبت: أ. ميرنا لحود
متابعة هلا حداد
فشل الصهيوني والأميركي في سحق المقاومة في لبنان وغزّة وعجزت الضربات الأميركية ضد اليمن من وضع اليد على البحر الأحمر، فدأبت واشنطن على خطةٍ تحفظ ماء الوجه ووجه الصهاينة ليصبوا جام غضبهم على سوريا، إلى أنْ أسقطوا النظام. لم تكن الخطةُ إزالة النظام السابق إنما تحجيمه، لكنَّ اللحظات الأخيرة فتحت الباب لشيءٍ ما حتى تقلبت الأوراق ودخلت المجموعات المسلّحة الإرهابية إلى سوريا مُفسحة المجال أمام الصهيوني لدخول الجولان السوري دون رادع.
ووطئ العدو بعتاده قمة جبل الشيخ، أهم مرتفعات المنطقة استراتيجياً ضارباً مقدّرات الجيش العربي السوري ليحقق العدو حلماً لم يفلح يوماً في تحقيقه رغم الإمداد العسكري الأميركي والغربي له. واعتُمد أسلوب الغدر نفسه في لبنان في ملف تسمية الرئيس المكلّف نواف سلام لرئاسة الحكومة. استفاق القومُ على اسم بعدما كانت الاتفاقيةُ تجمعُ على اسم آخَر، بدأ أتباع السفارات “الصبية” يصدحون بما أُمروا به في التسمية، إلى أنْ عكست المسرحيةُ هزالةَ اللاعبين والمصمّمين والراقصين على أنغامها وخفة عقولهم ووزنهم السياسي حاضراً ومستقبلاً. ويبقى الأسلوبُ المفعم بالخبث يقترب أكثر من الطريقة البريطانية؛ وقد تكون الفكرةُ نصيحةً للعم سام، علّ التبدّل في اللحظات الأخيرة قد يربك أكثرَ ويصدِمُ أعمق كالنموذج السوري ويجعل محور المقاومة في دوامةٍ. لكنَّ المقاومة، ومنذ أمد وعلى لسان أمينها العام الشهيد السيد حسن نصر الله، بشرّت العالم المحب والبغيض بأنَّ “زمن الهزائم للمقاومة قد ولىّ” والمقاومة لا تعدنا إلاَّ “بالنصر مجدداً”.
ومقابل معادلة النصر اليقين، أراد الخبيث القذر ابتكار دناءة علّه يُغيّر من حروف ما وعد الله به، فإبليس في نهاية المطاف لا يقبل الهزيمة لا الكبيرة ولا الصغيرة، وما بالك لو كانت كالتي في غزّة وفي لبنان الذي لم يسجّل أي تقدم رغم كثافة نيرانه والقتل والحرق والتجريف. لم يدخل العدو ولم يستطع التمركز.
توق أميركي للسيطرة على البحار
بعد هدّية جبل الشيخ من الأميركي للصهيوني، بدأ العم سام يسوّق لنفسه شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك والمتميزة بحكمٍ ذاتي. تحتّل هذه البقعة من الأرض موقعاً استراتيجياً وتملك موارد طبيعية نادرة، ما يجعلها بين بلدان تتنافس اقتصادياً وعسكرياً من جهة روسيا والصين، ومن جهة أخرى أميركا الجادّة على حفظ الهيمنة بعد تراجعها عالمياً مقابل صعود قوى أخرى. وتعتبر منطقة القطب الشمالي منطقة روسياـ الصين حيث تنشط طرق الملاحة البحرية بشكل أفضل من الماضي، بفضل التقدم التكنلوجي. وتستغرق خطوط المواصلات أياماً أقل من الطرق المعتادة، ما يؤثّر على الأسعار والكلفة ويرفع من المنافسة، لذا يرغب الأميركي في السيطرة على البحار كي لا يتكرر مشهد البسالة لأنصار الله في البحر الأحمر مقابل أميركا العظمى أو العظيمة.
ولا يكتفي الأميركي بالعمل على البحار، إنَّما في كل سياساته، يضع استراتيجيات تحفظ أمن الصهاينة في منطقة تُغيّر المقاومة من ملامحها لتضعها في مكانها الطبيعي. ويلاحظ أنَّه منذ تمركز الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز في لبنان وتحت حجة الإشراف على وقف إطلاق النار، تغيرت أمورٌ كثيرة. ويُعرف عن الرجل أنّه مسؤول عن فرقة وهو متخصص في الاغتيالات ابتداءً من حادث سير إلى اغتيال سياسي أو نوبة قلبية. لقد أدار من لبنان العملية العسكرية ضد سوريا دون قتالٍ وحصل الاستلام والتسليم للمجموعات المسلّحة الإرهابية في الشام، ولم يرَ في الجنوب اللبناني عمليات التجريف والاختراقات من قبل الصهاينة ولم يُقدم الرجل على أي تحرك ضمن مهمته في لجنة وقف إطلاق النار. البلد مستباح للأميركي والصهيوني في ظل قاعدة عوكر دون رقيبٍ أو حسيب، تحتلّ القاعدة الأميركية المسماة سفارة في عوكر مشهداً مثيراً للجدل في ظل غياب للمراقبة من قبل الدولة الضعيفة البنية.
يسرح الأميركي ويمرح في البلد ويستخدم مطارات عسكرية كما لو أنَّه صاحب الأرض وكذلك الصهيوني في الجنوب وما من حكومة تردعه ولا من سياسة صلبة تحاسب الاثنين: البلد مستباح والصهاينة مطمئنون لأنَّ الأميركي في الداخل يخدم مصالحهم وأتباع السفارات وجمعيات سوروس لا وظيفة لهم إلاّ تصويب النار على المقاومة والظفر بوزارة مرموقة فارغة من السيادية، إضافةً إلى بث ثقافتهم من سباب وشتم وتعليق غبي من هنا وهناك، دون منطق ومطالبة، ما لم يجرؤ الصهيوني على أنْ يطالب به لأنَّه أدرى بالأمور العسكرية والسياسية من غلمان 8200 في الداخل.
استراتيجيات أميركا لـ”الشرق الأوسط الموّسع” منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى يومنا
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والأميركي يدرس منطقة “قلب العالم” ويحاول أخذ البلدان الواقعة بين إيران وروسيا إلى واقعة جديدة تجعل من تلك البلدان دولاً في تنافسٍ شرسٍ في الطاقة للدولتين التاريخيتين والدينيتين. فجاءت صيغة مد أنابيب الغاز والنفط تحت مسمّيات الازدهار والتقدم والتعاون إلى أنْ أبعدت دولاً مثل أرمينيا في خط أنابيب باكوـ جورجياـ تركيا ما أدى إلى عداوةٍ وصراع.
وخوفاً من أنْ تستعيدَ إيران أمجادها الماضية، ذهبت أميركا بعد إِحدَاثِ صدمة الـ الحادي عشر من سبتمبر إلى إعلان خطة محضّرة مسبقاً وتنتظر تفويضاً شعبياً متمثلاً بعملية الاعتداءات، ويتقبل بهذه الحجة الرأي العام الأميركي اجتياح أفغانستان والعراق المسحوب بحجة امتلاك “أسلحة دمار شامل” ويجب القضاء وإنهاء هذا الخروج الفاضح إلى أنْ أتت النتيجة مخالفة للمزاعم وتكبدّت أميركا ما تكبّدته. لجأت أميركا إلى خطة أخرى، بعد التسجيل بالفشل، تتمحور حول إغراق بلدان “الشرق الأوسط الموسّع”، أي بحدود أبعد من إيران ، بجمعيات سوروس والممولة منه مباشرة وإعطاء تركيا دوراً في إدارة المنطقة، لصالح موظفها الـ سي آي أي، وتمكين النفوذ الأميركي بعد السطو على منظمة الأمم المتحدة والناتو وأوروبا. لكنَّ أميركا كانت على موعد مرة أخرى مع الفشل لذا استعانت باستراتيجية بريطانيا التي تحمل عنوان “الربيع العربي” المُعدّ منذ أمدٍ ويتعلق في تأسيس الإخوان المسلمين وتدريبهم وتسليحهم وخلق مجموعات إرهابية تابعة لهم من داعش والقاعدة والنصرة والمسميات المتفرعة منها. استقبلت بريطانيا إخوان مصر وسوريا وكانت الحاضنة الأساسية لهم وأنشئت قناة الجزيرة وتمَّ تدريب الطواقم مع بي بي سي التابعة للمخابرات البريطانية ونجد في ملكية الجزيرة رمز بي بي سي ما هو معروف وموثق.
كما عمِلت أميركا بالنصيحة البريطانية الصهيونية ودفعت إلى إسقاط أنظمة تشكل إزعاجاً برفضها للإملاءات الأميركية ـ الصهيونية، مفسحةً المجال للتربّع على عرش السلطة وهم أشخاص ملطخة أياديهم بالدماء من نحر وذبح وقتل وتنكيل وعذابات من شتى الأنواع حينها ترضخ الشعوب خوفاً وإرغاماً لما يُفرض عليهم والنماذج كثيرة في هذا المجال حتى سوريا اليوم.
لكنَّ الشعوب عندما تقول كلمتها، تضمحلّ الاستراتيجيات مهما علا خبثها والدليل هو الزحف الشعبي في غزّة إلى الشمال والتدفق الهائل من الجنوبيين إلى قراهم والإصرار على دخولها وتحريرها من تواجد العدو الذي لم ينجح في دخولها أثناء الحرب.