مقابلة مع زياد الرّحباني على حافة ربع قرن: كلنا تغيّرنا، لكن بالمبدأ “أنا ما تغيّرنا”!

مقابلة قديمة مع زياد الرحباني.. فعلاً قديمة.. عمرها يقترب من ربع قرن!! نشرت مجلة الحسناء في 24 تشرين الثاني 1995!!

منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، تغيّرت “قصص” كثيرة، فقّست أسماء في عوالم الفن، وانطفأت أخرى.. ساد نشاز كثير وزيزقة سميت موسيقى، ونجّمت غانيات وعيث في الجو فساداً لا مثيل له..

كم معه حقّ حين قال: بالمبدأ.. أنا ما تغيّرنا..

وكم موجع صدق زياد وثباته.. وكم مؤلمة خيباته التي تظهر مع كل ما راهننا بعمر كامل أن يتغيّر ولمْ..

في ما يلي نص المقابلة.. لِمَ أسترجعها؟ لا أعرف.. ربما حنين الى تلك الذاكرة.

حنان فضل الله

“نعتذر عن استقبال الأصحاب إلاّ على موعد مسبق.. للإتّصال..”

هذا ما تطلعك به عبارة مكتوبة-بمحبّة- بالخطّ الجميل، العريض،على باب منزل “الفنّان” زياد الرّحباني..

ورغم “الموعد المسبق” الذّي كنت فزت به، يخامرك إحساس بأنّك متطفّل على البيت وصاحبه، لكن محبّتك قد تشفع لك في أن تخترق عالم زياد الحميم، وتقترب منه أكثر في أمسية “وقعدة أصدقاء” طالت، لينضمّ إلينا جوزف صقر، كانت “شرارتها” شريطهما الجديد “بما إنّو”.

بساطة البيت تخبّر عن صاحبه.. صور جميلة هنا وهناك، وأغنية لم تسمعها بعد تستقبلك وتبشّرك بجديد لزياد، ما زال في طور الولادة.

تسأل عن الأغنية والصّوت، فيسألك زياد بدوره: “عجبتك؟” فتؤكّد له: “مهضومة كتير.. هل صاحبة الصوّت اكتشاف جديد؟” فيردّ زياد: “خلّيها مفاجأة”.

زياد الرّحباني في أربعينه.. يبدو مشاغباً أكثر.. عاقلاً أكثر.. وفي الحالتين هو هو .. كما توقّعته و.. أكثر.. والأحلى.. أنّ زياد الرّحباني أبقى صورته عنده وعندك كما كانت، وهذا ما يريحك.. جدّاً، ويسعدك أكثر من “جدّاً”.

وإذ تستريح في القعدة، تستأذن زياد العودة إلى مسرحيّتيه الأخيرتين “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” و”لولا فسحة الأمل”، لأن ثمّة أسئلة ما زالت عالقة بحلقك منذ الجدل الصاخب الذّي أثاره هذان العملان، وردود الفعل عليهما، وإحساسك بأنّ زياد في طلاته الإعلاميّة العديدة يومذاك بدا وكأنّه يدافع عن عمَلَيه في محاولة لردّ الحملات الإنتقاديّة التّي شُنّت عليه. لذا كان السؤال:

– هلّ كان على مبدع في فرادة زياد الرّحباني أن يدافع عن عمل قدّمه إلى الناس؟

– لا، ولكنّني أحسست أن هناك من يريد تخريب العمل وبالقوّة، وأنّ هناك من يكرهني في طريقة التعامل ولا أعرف السّبب، مع أنّه لا سابق معرفة و”ما في مشكل معه”.. لعلّ الأمر كان يمكن حلّه بحفل غداء.. وثمّة من يكره شخصاً يحبّه النّاس، خصوصاً في الوسط النّقدي وخصوصاً أيضاً إذا كان هذا الناقد ممثّلاً مسرحيّاً أو مخرجاً “وما زبطت معو” فتحوّل إلى ناقد، وبأي نفسيّة ؟ ناقد لا يعجبه شيء.

أخطأت بالطلاّت

– طلاّتك الإعلاميّة دفاعاً عن العمل كانت لافتة في كثرتها، خصوصاً وأنت مقل في أحاديثك..

– أعتقد أنّي أخطأت، عملت مسرحيّتين وغلّطت بالطلاّت. لكن كان كلّ ذلك في سبيل أن نصل إلى حلّ لمأزق مالي، كأن تردّ المسرحيّة مصاريفها.. كانت إحدى الشّركات قدّمت رعايتها للمسرحيّة، “ولمّا خلصت المصاري”، قصدنا المنتج فنصحني بإنشاء أحاديث إذاعيّة “بدل شهر دعايات مجاناً”مثلاً.. “راحت معي هيك”، ورأيت أنّه إذا كان علينا أن ندفع لقاء إعلانات، فإنّنا بذلك نزيد الإنتاج، في الوقت الذّي يهمّنا فيه أن نغطّي الكلفة. “المسألة كان فيها شويّة إبتذال، عفواً عالكلمة وهيك صار معنا”.. في “لولا فسحة الأمل” “عملت 3 مقابلات بس” تقريباً..

لنفترض أنّ العمل كان عاديّاً- علماً أنّ هذا مناف لقناعتنا- ألا يحقّ للمبدع الحقيقي والنادر أن يقدّم عملاً عاديّاً.. أو حتّى دون مستوى إبداعه السّابق؟

– هذا صحيح.. لكن “أنا عقلي زغير”.. خصوصاً إذا أحسست أن أحدهم “حاطط عليّ بيزغر عقلي أكثر ودغري، بردّ عليه. وإذا واحد عم يسبّ فيك وهو مش حاضر العمل” أعتقد أن أعصابنا لم تعد هادئة كما كانت منذ عشر سنوات.. أساساً مجموع المقتطفات النّقديّة التّي مازلت أحتفظ بها تحمل ردوداً من أناس عاديّين ومن شباب ردّوا على مقالات معيّنة أكثر منّي..

ألم تكفك تلك الردّود دفاعاً عنك؟

– “مش عارف رح يردّوا.. (يضحك) شو بيضمن لي”!

كان من المفروض ألاّ “تعصّب” من الهجوم..

-(مقاطعاً) “لا، أنا ما بعصّب عالهجوم.. أنا كلّ يوم كنت إنسبّ. حسّيت إنّو كان في إجتماعات وجلسات وحلقات عم تشتغل ضدّي (يضحك).. في واحد كان متكلّف بهالهجوم وحده، يعني قائد طيران بيقدر يكون لوحده جسر جوّي.. شو بعمل؟ أنا مثلاً حطيت عقلي بعقلو.. يمكن غلطت وما كان لازم ردّ عليه. بسّ قرأت أنّ نصف المقال منقول عن مقال آخر”.

استعداد للعملة وللتبّولة

النقد الذّي قام على مسرحيّتيك الأخيرتين، ألا يشبه النقد الذّي طال “شي فاشل”؟

– بلى، وبنفس المقدار، عندي عدد من المقالات القديمة التّي تشهد على أنّه لم يبق أحد إلاّ و”سبّ” العمل، ومنهم من سمّاه “اسم على مسمّى”..

برأيك لماذا أثار العملان الأخيران هذا الضجيج؟

-التغييرات التّي طالت كلّ الناس، وكلّ شيء في العالم، طالتني وصرت مع الوقت أرى الأمور بشكل آخر..

ولكنّك في الشريط الأخير تؤكّد “أنا ما تغيّرنا”

-“صحيح كلنا تغيّرنا، لكن- بالمبدأ- أنا ما تغيّرنا، ثمّ إنّ التغييرات تلك لم تؤثّر في الأحداث فقط، بل بنفسيّات الناس. والناس لديهم استعداد للعملة وللتبّولة.. وكأنّه لا يجوز حضور عرض مسرحي دون أن يكون مرفقاً بـ عشاء.. يضاف إليه أن الناس لم يعد لها “جَلَد” لكي تركّز ولو قليلاً.. هيدي نقطة رئيسيّة، يُضاف إليها حملة كأنّها شبه منظّمة، وكأن أحدهم يقول “هيدي مسرحيّة مش لازم تشوفوها” يمكن أنا غلطت.. بس ما بيغلّط إلاّ اللّي بيشتغل”.

ولكن رغم كل الضجيج والمواقف السلبيّة من العملين ثمّة من كانوا مستعدّين لإقامة المعارك الضارية دفاعاً عنهما.. وهؤلاء تجمعهم حالة أو تيّار أو حزب اسمه زياد الرّحباني، وهم بالنتيجة حصتك..

– لا أحبّ كلمة تيّار أو حالة أو حزب، لنقل ثمّة متحالفون معي، وهؤلاء همّ الذّين ردّوا، وهمّ الذّين يحفّزونني على أن أعمل وأستمرّ في الإتجاه ذاته طالما أنّني على قناعة بالكلمة، بالموقف، بالموسيقى، ومصرّ على أن أبقى على ذات الطريقة..

التغييرات التّي أشرت إليها، وإذا أضفنا إليها المأزق المادي أو الإغراءات، كم تؤثّر الفنّان وتدفعه لكي يغيّر جلده فنياً؟

-“فيه ناس بيزحطوا تزحيط من هووون لهون.. مثل الفازلين عاملين”.. لا يعود هنالك ضغط إذا سار المرء مع الإغراءات.. إغراءات القمح مثلاً بتكفّي لوحدها (يضحك) يمكن تحلّ أزمة سكن.. إذا بتعملي جولة بالخليج مثلاً بتقبري الفقر..”أنا من الناس الذّين يعانون أزمة سكن، وأعد نفسي في كلّ سنة بالحلّ النهائي.. ويبدو أن “النهائي” بعيد وغير محدّد..

بيت نهائي

لعلّ هذه هي ميزتك.. فإذا أصبحت مليونيراً تملك الشّقق والسيّارات الفارهة لا تعود زياد..

-“كلّ إنسان يحبّ أن يعيش في بيت نهائي، يؤمن له الإستقرار، يعني خلص هون قاعدين.. ساعتها بيصير يعرف يطرش بيتو.. يثبّت برايز الكهربا مثلاً. أنا أتساءل.. كيف اثنين بدّن يتجوّزوا وين بدّن يعيشوا؟.. أنطلق من وضعي الخاص.أنا أبحث عن بيت أو شقّة في بيروت، والأسعار 300 و400 ألف دولار..

“خارج بيروت أرخص”..

-“إي، بس مش مضطر قضّي 3 ساعات سواقة حتّى أوصل على بيروت، خصوصاً وأنّي مسؤول عن استديو، وعلّي أن أكون قريباً منه لعدّة أسباب، منها أنّه تحت الأرض وأخاف عليه إذا صار طوفان أو حريق أو لعبت الكهرباء طلوع ونزول.. ثمّ هنالك عادة الحرب.. والتعوّد على منطقة معيّنة..”

متمسّك ببيروت؟

-“إي بتحسّي لإنّو بدّك تضلّي هون.. بس الجماعة معنّدين على أسعار الشّقق بالرّوشة وبراس بيروت، وحتّى لو ما حدا اشترى..”.

من هذه المعاناة العامة.. ألا يمكن لعمل مسرحي أن يولد؟

-“يعملها غيرنا.. صار كثير عم ينحكى بهيك مواضيع.. لا وتخيّلي قدّم عمل ويقولوا فلان عملوا قبل!”.

لكن لكلّ أسلوبه، وأسلوب زياد مختلف ومتفرّد..

-“معليش.. بلاها.. خلص.. لو العالم بدّن يفهموا كانوا فهموا.. ما يعيشونه من حالات وقصص، عايشينو منيح.. وليسوا بحاجة لمن يخبرهم عن وضعهم..”.

“هالقدّ محبط”!

-إيه..

كذبة

إلى أيّة درجة تعتقد بأنّ الفنّان يمكن له أن يلعب دور المحرّض في مجتمعه؟

-“ما بعرف.. هذا أمر يعود للناس، ويتعلّق بالشّعب الذّي ننتمي إليه، قدّيش عندو استعداد يتقبّل التحريض. مش كل واحد وحدو.. تحريض؟! هذا ينفع مع أناس يعرفون “التجمّع” ..”بس تحكي حكي بيطلع متل النكتة يعجبون به ويوافقون عليه، وثاني يوم بيكمّلوا حياتهم بنفس العادة..” التحريض يبدأ بنقابة وتجمّعات حتّى يستطيع النّاس أن يغيّروا حكومة في أسبوع واحد مثلاً.

ألا تشعر أنّك تستطيع أن تغيّر شيئاً في الوضع؟

– حاولت، قدّمت حلقات إذاعيّة وقلت فيها كلاماً أقوى ممّا قيل في المسرحيّات، لكن الأمر كان يتحوّل إلى أن يتناقل الناس تسجيلات البرنامج ويطلبوا إعادة بثّ الحلقات…”بس ما صار شي”..

أين “التوك”؟

-“ما صار شي.. مش أنا بدّي غيّرها.. ما بتحسّي إنها أثّرت بالسلوك العام.. مع إنّو كان “العام” مقتنع بالّلي انقال..”.

شعب عنيد؟!

-“أيوه .. هيدا هوّي، بيعطيكي جواب دغري: “لبنان مش موجود.. استقلالو كذبة وكل العالم بتعرف هالشي”.. فـ.. بيقدر الواحد يفوت هالفوتة.. الحياة ليست فقط وقفة عزّ مش دائماً.. إذا بدّو الواحد يكون مفيد لازم يكمّل، مش لازم يوقفها.. إذا عندو وعي سياسي وإجتماعي أصول يضلّ يعمل كلّ الطرق..”.

والتوك..

-“التوك فينا، نحن اللّي منعزم العالم حتّى يفوتوا.. ولا مرّة فاتوا افتراء..لدينا استعداد لكلّ شيء جاهز، رز، قهوة، ملبّس وبعدين مننتقد ومنسب..”.

النّاس تعوّدوا البطولة

من الأسئلة التّي ظلّت عالقة في حلقنا أيضاً من المسرحيّتين، لماذا كان حيّز دورك أقلّ ممّا تعوّد النّاس متابعته من “رشيد” (فيلم أميركي طويل) أو نور (شي فاشل) أو زكريّا (نزل السّرور وبالنسبة لبكرا شو)..

– لأنّه في “بخصوص الكرامة ولولا فسحة الأمل”، كانت القصّة مختلفة ولم يكن هنالك من موضوع معيّن.. بلّ مشاهد عديدة من مجتمع.. دور الضابط كان بمثابة “رابط” بين الشخصيّات فقط وليست له قصّة خاصّة به..”شغلتو إنّو ما يلحّق عليهم، كنتِ عم تسمعي على طريقك كذا قصّة”.. لكن النّاس تعوّدوا على “البطولة” لذلك ربّما استغربوا أنّهم أتوا لمشاهدة زياد فعلاً، ولم يعد مهمّاً لديهم ما تقوله هذه الشّخصيّة أو تلك..

النّاس انتظروا ظهورك في مشاهد “مفرقعة” لم تظهر أنت فيها.. وانتظروا دوراً لزياد يرسّخ أقواله في ذاكرتهم.. فتتحوّل إلى محطّات كلام وعبارات يردّدونها في يوميّاتهم، كما حصل في مسرحيّاتك السّابقة..

– هذا غير صحيح ..المسرحيّة مسجّلة، وردّات فعل الناس واضحة على “كذا مشهد ما إلي دخل فيهن..”.

ألم يكن المقصود أن تختزل من دورك..؟

-ما فيه، لا.. المسرحيّة الجديدة (قيد التحضير) فيها تركيز على شخصيّة ألعبها أنا، حسب القصّة.. بينما الضابط كان يتلقّى فقط.. تذكرين دور ريما- أختي- يعني “آكو” إبنه “مصاري” الذّي حبسوه.. هي تحكي مونولوغ “كيف كرّته كرج؟!” (يضحك) يجاوبها الضابط فقط بـ”أوكي..وطّي صوتك” … هو كان يربط مشاكل الأشخاص ولا “يلحّق”.. أحياناً كان “يطرق” محاضرة أو يعقد اجتماعاً.. هنا دوره. أنا أفضل الأسلوب الواقعي..

“ما خطر لي هالشي”!

لننتقل إلى أجواء عملك الغنائي الجديد، “بما إنّو” كيف تجمّع الشريط؟

-عندما أصبحت الأغنيات والمقطوعات تشكّل مجموعة، سجّلناها، مع أنّه ليس هنالك من أغنية لها علاقة بالثانية.. لكل واحدة جوّها الخاص.

أغنية “بما إنّو” كم تشبه “اسمع يا رضا” في اختصارها البليغ للوضع العام؟

– برأيي تشبهها بشكل غير مباشر ..هنا لم نعد نحرّض فالتحريض كما قلنا لم يعد يؤثّر بالناس كي يعوا وضعهم..عبث!

“شايفو عم يرجع لورا”؟

-“شالو سيّارات الإكسبرسّو من الكورنيش.. قال نازعين المنظر.. وبقيت كم واحدة معهن رخص.. كيف هنّ بالذّات.. وبنفس الوقت وضع السّكن مش معروف مثلاً..؟!”

اللافت في الشريط أيضاً العتابا التي حملتها “وجعاً” وسخرية..

– أوّلاً العتابا “شغلة لذيذة”، ولعلّها أكثر ما أحبّه في التراث.. مسألة “الكلمة” التي عليك أن تجديها 3 مرّات في اللفظة ذاتها وبمعان مختلفة، ثمّ إنّ صوت جوزف (صقر) جاء مناسباً جدّاً.. وبالتالي فإنّه لا مانع من أن نقدّم عتاباً طالما أنّ “الهوّارة” تفشّت وحمّلوها كثير حكي.. فأحسست أنّه بإمكاننا أن نقدّم عملاً “يحمل كم شغلة يمكن العالم يلاحظوها.. شي معقول ومنيح على صعيد التراث”..

أغنيات المجموعة (بما إنّو) كلها بدت لنا هيكلاً جاهزاً لعمل مسرحي تخيّلناه متكاملاً بكلّ أبطاله ومشاهده وحواراته وأمكنته… ألم يخطر لك تكملة الشريط وتحويله إلى مسرحيّة؟

-“ما خطر لي هالشي”.. صراحة.

أغنية “مربى الدّلال” وحدها مسرحيّة!!

-“مربى الدّلال” هي أغنية كتبت في وقت تعرّفت فيه على زوجتي (سابقاً) دلال، وكانت طلبت منّي أن أتعرّف إلى أهلها وحدث ما حدث.. لم أكن أتقصّد أن أركّب مشهداً.. بل كان الوضع الذّي عشته مشهداً بحدّ ذاته.. “كنت تارك بيت أهلي ومستأجر بيت .. بعد يومين طلعت معي الأغنية”.

شغلتي الموسيقى

هلّ صحيح أنّك تحبّ الموسيقى أكثر من “المسرح”.. وأنّك لا تقرأ في المسرح؟

– إيه صحيح.

ألا تعتقد أن قراءة المسرح مفيدة؟

-مفيدة إذا وجدت نيّة في العمل بالمسرح على شكل احتراف.. لو فكّرت في حياتي أنّني سوف أكتب مسرحاً لكان عليّ أن أقرأ المسرح.. قرأت في المسرح ما أخذناه “إجباري” في المدرسة.. وأنا لا أقرأ لأنّي أحسّ أنّه لديّ أمل بعد في “شغلتي” أعني الموسيقى، وأفضّل أن أسمع 15 أسطوانة في النّهار على أن أقرأ في المسرح.. الثقافة المسرحيّة العامّة أمر آخر..

هلّ تحسّ إلى أي حدّ يصل تعلّق الناس بزياد الموسيقي المبدع ألحاناً وتوزيعاً فريدين وينتظرون دائماً منه المزيد؟

-“مش كثير.. أوقات، الموسيقى هي أكثر فنّ تجريدي، وهذا ما لا يمكن أنّ نراه، بمعنى أنّنا لا نرى دخولها في الناس..هي إحساس..”.

مجموعة جديدة لفيروز

أصداء تجربتك مع السيّدة فيروز تؤكّد رغبة الناس في المزيد من أعمالكما المشتركة..

– نحن نحضّر معاً مجموعة جديدة.

في شريطكما “إلى عاصي”.. جدّدت القديم الذّي أحبّه الناس وحفظوه كماضٍ عزيز.. وكثير من السمّيعة أحبّوا تجربتكما الجديدة والتّوزيع الجديد، رغم رفضكم لإعادة توزيع أغنيات قديمة لعبد الوهاب مثلاً أو كارم محمود بإيقاعات جديدة وضعها آخرون…

-شريط “إلى عاصي” تطلّب منّا حوالي الـ 5 سنوات لإنجازه، وقد حاولت أن أحافظ قدر الأمكان على “جوّ” فيروز مع كلّ الآلات “اللي عم تشتغل”.. حافظت كثيراً على كيفيّة طريقة تسجيل صوتها في الماضي حيث لم تكن تُستعمل معها المؤثّرات والصدى، “عالقدّ”..

..ومسرحيّة جديدة

بعد “بما إنّو” بم تفكّر؟

– أفكّر بمسرحيّة.. قصّة خاصّة أو حالة خاصّة خلفيّتها مبنيّة على البلد “اللي عملت هالحالة الخاصّة.. جوّات عائلة يعني”..

هلّ يستطيع المرء أن يقول ما يريده الآن؟

– أقوله وأعرضه على الرّقابة، فإذا منعت شيئاً ما، أعدهم بأن “لا أعملها”.. أو “أعملها” وأقول تعالوا أوقفوها..

في مسرحيّتك الأخيرتين قلت إنّ الرّقابة لم تتدخّل؟

– بلى تدخّلت في عبارتين حذفتهما الرّقابة، ولكنّي أعدتهما.. وقدّ علمت أن أحداً لن يوقف العرض لأنّهم “مش غشم لدرجة يعملوا ضجّة للقصّة أكبر منها.. ولأنّه إذا منعوها بتكون دعاية للمسرحيّة”.

إلى أي حدّ تعمل حساباً للرّقابة؟

-“أنا بعمل اللي بحسّو.. وإجمالاً المراقبة فيها شي من الإزعاج.

على سيرة الإزعاج، كم تحسّ بأنّه من المزعج أن يأتيك أحد مثلنا يطرح عليك “أسئلة صحافيّة” ويقطع عليك خيط إبداعك أو تأمّلاتك أو حتّى مشاغل الإنسان العادي لديك؟

-“أنزعج من غير حدا.. بعدين ما في حدا بيحب التّحقيق معه.. إيه.. هل تحبّين أن يحقّق أحدهم معك؟

هلّ تعتبر حديثنا “تحقيق”؟

– يشبه التحقيق..

“سئيلة”؟

– إيه!!

ميرسي؟!

-(يضحك). عادة فيها إزعاج.. مع أن هنالك أناس يتمنّون ذلك كلّ 10 دقائق ولا يمانعون.. “التحقيق” مش كثير مريح.. خصوصاً وأن كلّ كلمة يقولها “الواحد” هي نهائيّة ومسجّلة.. أنت عمّ تسجّلي كمان؟!

نعم.. ومطمئنّة على “أداء” المسجّلة..

– “إيه …هذه نهائيّة، وربّما غداً غيّرت فكري..

كمّ مرّة تغيّر فكرك؟

– “على عدد الدقايق.. لكن في الأمور الرّئيسيّة، في القناعات..لا، لأنّها هي ثابتة، بسّ بغيّر فكري بغيّر إشيا..”.

وإلى أين تنوي الوصول في ذلك؟

-(يضحك).. إلى الرّوضة..

التلفزيون عندك غير موجود؟

– “بلى ..جوّا..”.

أقصد أن حضوره لا يعلن عن نفسه بقوّة، كأنك على غير وفاق معه..

– لا، أستعمله للعمل أكثر.. للمونتاج والأخبار..

كيف تتابع الأخبار؟

– “أنا وعمّ بتمشّى .. أتابعها للضرورة مع أنّي أعرف أنّ هنالك “سحبة” إعلانات من المفروض توقيتها بشكل آخر.. والأخبار صارت “أجندة وتغطية نشاطات” لا أرى ضرورة أن نعرف أن فلاناً استقبل فلاناً.. مش ضروري نشوفها.. يحطّوها بالجرايد حتّى نقفّيها.. يا ما صايرة معي إنّو إكبس عالرّيموت وغلّط فكري عم اقلب شريط فيديو لـ”فلان”، (يضحك) تاري الأخبار بعدها، وبعدو عم يستقبل ويودّع..”.

..مع جوزف صقر

وصول الفنّان جوزف صقر أنقذ زياد من بين براثن أسئلتنا وأعاد الحدث “بما إنّو”، وعنه كان سؤالنا الأوّل له:

مع أنّ لكلّ أغنية جوّها الخاص وشخصيّتها ابتداءاً من “العتابا” إلى “بما إنّو” إلى “أفلاطون” إلى “هيك بتعمل هيك” و”تلفن عيّاش”.. يبدو لنا أنّ لا أحد بإمكانه التعبير عمّا يريد أن يقوله زياد كلاماً ولحناً ـ أكثر من جوزف صقر في الأغنية المسرحيّة، كم تشعر أنّ صوتك “يلبق” لأعمال زياد؟

-جرّبت أن أعبّر عن المكتوب ولو لم أكن أحسّ فعلاً به ربّما كانت النتيجة مختلفة.. ولمّا كان تعاوننا استمرّ طوال هذه السنوات.

ألا تفكّر بـ”ريسيتال” تقدّم أغنيات “بما إنّو” خصوصاً وأنّها جاهزة بهيكليّتها..

-هذا ما نفكّر به حاليّاً، أريد أن أجمع القديم من الأغنيات مع الجديد بالإضافة إلى أنّ الفرقة الإستعراضيّة وهي لأخي، جاهزة، قدّ يكون لكلّ قطعة فيها مصاحبة راقصة (رقص استعراضي)…

الجمهور بانتظارك على شوق؟

– أتمنّى ذلك.. يجوز..عملنا المقبل سوف يكون بإشراف زياد على البرنامج وعلى تحضير “الرّيبيرتوار” كاملاً.. ونحن بانتظار المنتج.

كيف تتوقّع ردّة الفعل على “بما إنّو”..

– ممّا أسمع حتّى الآن حول “خلطة” الشريط وتنوّع محتواه، فإنّ ردّة الفعل إيجابيّة..

بلّشنا ضحك، وبعدنا

قبل وصولك، سألنا زياد عن عمليه المسرحيين الأخيرين وردود الفعل حولهما..

– هنالك من أعجب بالعمل و”انفشّ خلقو” وقال رأيه بصراحة وهنالك من اعتبر أنّ “الجوّ” كان ضاغطاً، فيه قسوة وفلسفة.. يجوز أنّ مسرح زياد كان واقعيّاً لهذه الدّرجة، لأنّه أساساً طالع من معاناة معيّنة عاشها صاحبها (زياد) ولو أنّ الحال كان مختلفاً لكتب نصّاً آخر.. هذا رأيي..

ارتبط اسمك باسم زياد الرّحباني حصراً منذ “سهريّة”.. لمَ؟

– لأنّه أوّل معرفتي به كانت من خلال مسرح الرّحابنة، وكان حينها عازفاً، تعرّفت إليه في جوّ الفرقة دون سابق إنذار وبالصّدفة.. ربّما لأنّي وجدت نفسي في كثير ممّا يقوله، مع أنّي في ذلك الوقت لم أكن أفكّر في الغناء كطموح، والدّليل أنّي في أوّل عمل “سهريّة” المسرحيّة البسيطة المركّبة، استنكرت دوري كمطرب عجوز، لكنّ زياد رأى أنّه باستطاعتي أن أغنّي.. وكانت البداية مع “حالة تعبانة يا ليلى” و.. فتنا بالجوّ، ثمّ كان “نزل السّرور”..وهكذا..”كنّا مبلشين ضحك وبعدنا”..

ألم يختلف الضحك منذ ذلك الوقت..

-” إي ولأ.. بس بعدنا عم نضحك، يمكن صرنا عم نضحك عاظروفنا أكثر”..

بعد هذه السّنوات هل تلاحظ أن صوتك صار “مستوي” أكثر؟

– إن شاء الله..

غيابك عن السّاحة طال حوالي الـ10 سنوات، ألم تفكّر في عمل غنائي خارج إطار تجربتك مع زياد؟

– بل 11 سنة.. من وقت “شي فاشل”.. وآخر مسرحيتين لم أغنّ فيهما لأنّ النصّ لم يكن يتطلّب ذلك.. ولكنّي غنّيت في سوريّا وعمّان والخليج وذلك بدعوات من خرّيجي جامعات وأصحاب أحبّوا أغنياتي.. كانت عمليّة استمراريّة فقط..

“ما إلي بالمهرجانات”

لمَ لم تشترك في “المهرجانات” الغنائيّة التّي تعاقبت على صيفيّات لبنان؟

-(يضحك) “ما إلي رأي فيها”.. أنا بعيد عن هذه الأمور.. وأبحث عن شيء جميل أقدّمه للناس، ولا تنسي أنّ لكلّ واحد جوّه وقيمته الفنيّة.

هل ترى مثلنا أنّ الأغنيات كلّها يمكن أن تتحوّل إلى مسرحيّة ينقصها بعض الروتوش أو مشاهد من مسرحيّة؟

_ ما أقوله أرجو أن لا يُحسب على سبيل “فيديو كليب” لكن كلّ أغنية في الشّريط حملت “قصّة صغيرة”.. أرى فيها “تمثيل” وفيها الكثير من المسرح.. أنا هيك شفتها.. لا أعرف إلى أي درجة وصلت إلى الناس، ولو أن هنالك كاميرا “رصدت” لقطات “مربى الدّلال” لكانت “مثل كأنّو لازم يشوفوها ممَثّلة”.. معقول ما تعجب الناس؟! أمّا اسكتشات فلا أعتقد أنّ “تركيبها”وارد…

أنت أيضاً لا تحبّ الطلاّت الإعلاميّة؟

-“مش كتير”..

في مشاريعك والأجندة.. ماذا نجد؟

-“أجندة ما فيه” .. هنالك مشروع “الريسيتال” وإذا أعجب الناس ولقي التجاوب ربّما نكرّره.. المهمّ يرأيي أنّ يتم تقديم العمل بالتوقيت الصحيح.. أمّا عن الحفلات أو مواعيد فهذا غير وارد.

ألم تحنّ إلى مرحلة التعليم؟

لا..لا.. (يضحك)..

ماذا علّمتك التجربة؟

– علّمتني أن أشتغل بحبّ وعرّفتني على أناس لا زالوا أصدقاء لي حتّى الآن.. وتعلّمت أن المهمّ لدى المعلّم هو الأسلوب، فلكي يحبّ التلاميذ مادّة (اللّغة الفرنسيّة) التّي كنت أدرّسها.. كنت احتال عليهم أحياناً واخترع..

وصورتك عندهم ألا تزال على ما هي “من ذلك الزّمن”؟

-“إيه كثير.. بعدنا متل وقت اللّي كنّا سوا”.

مع إنّك أصبحت فنّاناً مشهوراً..

-هذا ليس مبرّراً للتنكر لأصدقاء القدامى.

التعليقات