كتبت: حنان فضل الله
كل من اكتسبوا جنسيات البلدان التي “ترعرعوا” في ربوعها، يؤكدون في كل مناسبة، انتماءهم الى وطنهم الأم.. جذورهم التي انطلقت منها مواهبهم، ابداعاتهم: الفنية على اختلافها، الرياضية، الاقتصادية، الفكرية، الأدبية المسرحية (إلخ إلخ إلخ)..
أمثلتي على ذلك كثيرة: شارل أزنافور الفرنسي الذي لم ينزع عن صوته ونفسه وروحه -ولا للحظة أصوله الأرمنية المشرّفة- ولم يتخلّف يوماً عن مناصرة بلاده.. داليدا اعتزت بأصلها المصري وغنت “حلوة يا بلدي” وغيرها بالمصري.. شاكيرا التي تفاخر بجذورها اللبنانية (جدّها لأبيها).. جيجي حديد عارضة الأزياء العالمية تتباهى بأصلها الفلسطيني بل ورفعت الصوت نصرة للقضية.. رامي مالك لم يخفِ ولا “تكّة” أصله المصري.. سلمى حايك أبوها مكسيكي من أصل لبناني (ووفاءً منها لبلد أبيها) حتى أنها أنتجبت فيلم النبي the prophet عن رائعة جبران خليل جبران التي تحمل الاسم نفسه.. وقد زارت بلاد الأرز وجبران ترويجاً للفيلم وتأكيداً لحبٍ ساكن في قلبها لوطن الأجداد..
ليوناردو دي كابريو (أبوه إيطالي/ ألماني وأمه ألمانية)، آل باتشينو وأصوله الصقلية الإيطالية.. واللائحة تطول.. كل هؤلاء العظماء في مجالاتهم إلا أنهم لم يتنكروا يوماً لجذورهم.. ربما انتقدوا سياسات البلاد التي التي حملوا جنسياتها.. إلا أنهم لم يصلوا إلى ما وصلت إليه مواصيل ناكري الجميل.. المتنكّرين لأساساتهم..
هذا إذا لم أذكر عمر الشريف وعمرو واكد وفينس فون، نيكول كيدمان حتى غال غادوت (حاشاكم) من كيان العدو والتي رغم تجنّسها الأميركي، إلا أنها حاربت في جيش الكيان ولطالما دافعت عن المستوطنين وحقهم في أرض فلسطين من أهلها الأصليين..
كل هؤلاء تعاملوا مع أصولهم على أنها تشرّفهم.. لم يحيدوا عنها، أو ينبذوها، أو يتنكروا لها أو “يزيحوها” عنهم.. كأنها لوثة أو عيب أو عار أو ما يشبه ذلك..
عود على البدء ومع الفارق الشاسع المحفوظ في التشبيه والقياس.. كل من اكتسبوا جنسيات البلد الذي ترعرعوا فيه، تنفسوا هواءه وتمشوا في شوارعه وأتقنوا لغته أو لهجته وملافظ أبنائه الأصليين.. استمروا على تذكّر أصولهم إلاّ هي.. الإعلامية داليا أحمد التي يعرّف عنها “ويكيبديا” بأنها سودانية تعمل في قناة الجديد اللبنانية..
لا أعرف أن كانت داليا اكتسبت الجنسية اللبنانية (وهي تستحقها نظراً لطول فترة الترعرع في لبنان).. قد تكون تلبننت رسمياً بفعل الزواج من لبناني، إلا أنني ومعي كثر نتساءل هل ستقدّم حلقة خاصة عن الوضع في السودان، بلد الجذور والوطن الأم.. فـ “تفش الخلق” وتصوّب على هذا المسؤول السوداني، وترفع “اصابيعها” بوجه ذاك الوزير السوداني، وتوصّف الواقع السوداني، ثم تنتقد وتتبسّم وتغمز وتلمز.. و”تنمّر” وتسخر و.. وو.. بطبيعة الحال.. طبعاً..
لقد أطلّت في برنامج نقدي ساخر، “تُنَيْشِنُ” فيه على السياسيين (الفكرة قديمة وتمّت معالجتها حتى الـ حتى الـ.. حتى الـ.. لَعَيان.. خصوصاً أنه لا يقدّم جديداً).. نسخة عن برامج أخرى مشابهة..
ما علينا.. في بداياتها، (أوائل العقد الأخير من القرن الماضي) قابلتُ داليا أحمد، مرة بل مرتين، داليا الصبية التي يميّزها لون بشرتها، الواعدة، المثقفة، المتابعة لكل التفاصيل، إذ حين استضافتني في برنامج لها، (لا أذكر اسمه في هذه العجالة)، اعجبت بمتابعتها لكل شاردة وواردة، هي حقاً تحب مهنتها، و”كانت” تحرص على أن تطلّ في أفضل صورة وأكمل منطق وأسلم موضوع..
يحقّ لها أن تقدّم برنامجاً خاصاً بها، لِمَ لا؟! فخبرتها التلفزيونية لا غبار عليها.. لكن.. لكن.. لم تريد أن تنسّينا أنها سودانية؟ لم تصرّ على أن تخرج من ثوبها الأصلي وتبتعد عن جذورها؟ لِم لا تقدّم ما يرضي فضولنا حول موقفها من ساسة بلدها الأول، السودان- والأحداث تتسارع- قبل أن تتنمّر على مسؤولي وشخصيات بلدها الثاني، لبنان؟ خصوصاً وأنها ترعرعت فيه وتعرف (مفروض) زواريب الظروف السياسية، والأسباب التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم.. خصوصاً أيضاً.. عدم محاسبة المتطاولين- باسم حرية الرأي- طويلي اللسان وفرمه عند اللزوم.. أو في أبسط القرارات: سحب الجنسية منهم أياً كانوا؟!
ما بها اليوم؟ لا أعرف..
ملاحظة: من سنتين أو ربما ثلاثة.. أكثر؟ نسيت.. كنت اتصلت عبر ميسنجر بداليا، كي استضيفها بمقابلة، هي رحّبت ووعدت خيراً.. وأنا لم أتابع أو أذكّر أو أصرّ..