الوزير جبران باسيل ولقاء الـ 2010.. ورغم أنف التعب.. الهمّة وطموحات التغيير لا تغيب

كان يا ما كان، في تشرين الأول من العام 2010..

كانت مجلة شهرية اسمها نور تايمز.. وعملتُ فيها محرّرة أولى قبل أن تقفل أبوابها لأسباب معروفة/ غير معروفة، ويُلهف حقي المادي فيها على يدٍ “مجهولة”(!!).. لهفت ما يخصّها وشحذت الباقي، بحرفية “تشبيح” غير مسبوفة، هذا في حقي المادي “وبلاه”.. أما حقّي المعنوي فمحفوظ طبعاً، ودائماً، وقد حفرته بأظافري الملوّنة بالمانيكور المفضّل باللون الأجمل beige rosee وأقلامي وخطّي الجميل قبل النقر على الكومبيوتر وبعده.. ونظارات بتّ أحتاجها للقراءة وللكتابة، بكل اعتزاز!!

ما علينا.. كانت تلك مقابلة أجريتها مع النشيط الناشط الذي لا يهدأ، معالي المهندس جبران باسيل.. كان حينها وزيراً للطاقة.. “وكل الطاقات”..

قد أجري معه مقابلة ثانية وقد لا أجريها،لا أعرف، لكن ما أعرفه أن هذا الرجل نموذج صادق لإنسان محترم، رغم كل ما أشيع عنه من “خبريات” بائخة، صدّقها مضلّلون، لا يبذلون الجهد للبحث في حقيقة ما يرادُ لهم أن يتلقّنوه، يقودهم في أحكامهم الجائرة والظالمة، اعتياد “بغض” كل ناجح.. حاملي عصيّ العرقلة.. لكن محدثي منذ ذاك اللقاء، ناشط وديناميكي.. كان ولا يزال.. لشخصه والتعب الباقي واضحاً في عينيه، كل التقدير.. وإن كره الكارهون.

وددتُ أن أتشارك وقراء “حرف عربي+”، شهادة لشخصية تتكّل على حماسها وتحاول أن تبثّه حيث حلّت.. بما تمثّل من قيم ومن تمثل..

وهنا نص المقابلة ومسبوقاً بعناوينها..

حنان فضل الله

العناوين:

  • وزير الطاقة والمياه المهندس جبران باسيل: موازنة الطاقة صفر ومن دونها لا اقتصاد ولا بلد
  • جئنا من عالم خربان الى عالم خربان أكثر
  • لكل خطة برنامجها ولا سقفها الزمني واحد للكلّ
  • وضعنا خطة ليس فقط للكهرباء بل لكل ما له علاقة بالطاقة
  • 2014/ 2015 لدينا مشهد نفطي جديد
  • لماذا لا نعرف كيف نحلّ الأمور مع بعضنا البعض رغم اختلافنا في السياسة ما المانع؟
  • احتمالات وجود النفط في لبنان عالية جداً
  • المصلحة العامة تفرض نفسها ونتأخر نتيجة الاعتبارات السياسية
  • عدت من إيران بأفق أوسع وخيارات

المقدمة: وزير الطاقة وكل الطاقات.. ووزير المياه المالحة والحلوة والمحتاجة إلى ترشيد في الإستهلاك رحمة بالمستقبل، ووزير التنقيب عن الغاز والمغامر.. هو المهندس جبران باسيل الذي لا يتعب، وعليك خلال اللقاء به وبعده أن تدقّ على الخشب، لقدرة الرّجل على ردّ الإجهاد الواضح من عينيه ومن بحّة صوته.. إلاّ الذهن فهو يستمرّ صافياً والحمدلله، وجاهز للإجابة على أي سؤال أو.. تعليق..

في مكتبه في الوزارة.. ووسط عجقة مواعيد، وقت محدّد لـ”نور تايمز”، بعد رحلة متعبة جسديّاً إلى إيران، لكن منعشة تخطيطاً لمستقبل “طاقي” واعد..

هنا معاليه، وزير مسؤول، لا يعترف بحاجة إلى راحة، لكن يقرّ بالشّوق إلى العائلة والأولاد..

والحوار…

بداية معالي الوزير.. كيف كانت النقلة من وزارة الإتصالات إلى الطاقة والمياه؟

الفرق أنّه وبعد أن علمت أنّني سآتي إلى وزارة الإتصالات، حضّرت قبل أن أستلم. وعندما صدر المرسوم تأخّرت لأسلم وزارة الإتصالات، لأنّه بإعتقادي أنّنا سجّلنا سابقة في التسليم، فقد بقيت أسبوعاً مع وزير الإتّصالات الجديد شربل نحّاس لأسّلمه الملفّات ولأجمعه بالناس من القطاعين العام والخاص. وقد أجرينا تسليماً أرحت به ضميري. لقد جئنا من عالم “خربان” إلى عالم آخر.. “خربان” أكثر.

ملفات شائكة أكثر؟

وفوضى أكثر.. وزارة الطاقة والمياه وزارة بثلاث وزارات..

هذا ليس انتقاصاً من الوزير السّابق..

لا هذا كان الواقع..

لنبدأ من آخر رحلاتك إلى إيران .. بماذا عدت منها؟

بأفق أوسع. الإنسان عندما يطلّع ويرى، يوسّع مداه وتصبح خياراته أوعى وأفضل. عدت من إيران بإحتمالات وخيارات جديدة إضافيّة إلى لبنان، لنتمكّن من ضخّ دماء جديدة عبر شرايين جديدة للبلد.

بما يعني كلّ ما له علاقة بالطاقة والمياه والنفط ومساعدة لبنان في هذا الإطار؟

ما أقصده هنا هو مدى أوسع يساهم بإضافات إقتصاديّة، تأتي ضمن سياق وتعاون إقليمي واسع، يجعل لبنان حلقة أساسيّة في هذا التعاون السياسي- الإقتصادي الموجود في المنطقة ويتعزّز ويقوّي.

عقبات عدّة أمام هذا التّعاون؟

ثمّة عقبات أمام كلّ شيء.. لكن هناك أمور تفرض نفسها بطبيعتها. لا يمكننا كبلد أن لا نأخذ السيّاسة والجغرافيا يعين الإعتبار. لقد بات العالم صغيراً والمسافات صارت وأقرب، والتواصل الحاصل مذهل: الكهرباء تستجلب من مكان بعيد، الغاز والنفط أيضاً.. اليوم ومن خلال الطّاقة، يمكن تقريب المسافات وبالتالي فإنّ الموضوع السياسي والجغرافي يؤخذ بعين الإعتبار وكذلك الموضوع الإقتصادي بمعناه الذّي يؤمّن لنا المصلحة..

مصلحة البلد والمواطن..؟

المصلحة العامّة تفرض نفسها، نحن نتأخّر نتيجة الإعتبارات السيّاسية مثلاً، أنا لم أفرض خياراً بل أقول إنّنا فتحنا خيارات جديدة لننتقي الأحسن بينها.

أين لبنان من الطاقة؟

نحن في القعر، ربّما نحن في أدنى مرتبة لأنّنا بلد لديه موارد نفطيّة لكنّه لا يعرف كيف يستغلّها. للبنان موقع جغرافي يمكن أن يستعلمه للتكرير والتخزين لكنّه لا يستغلّه. لدينا إمكانيّات ربط أنفسنا بشبكات ومصافٍ وترابط كهربائي ومائي ونفطي لا نستغلّه. نحن عزلنا أنفسنا وقد اكتفينا بعزل أنفسنا وقد اكتفينا بعزل أنفسنا من خلال وصلنا بشريان بحري عبارة عن سفن تجلب لنا ما يزيد من كلفتنا النفطيّة ويرفع لنا فاتورتنا بشكل مرهق جدّاً على الخزينة وعلى المواطن معاً، دون أن نستفيد من أن نوصل أنفسنا بشرايين أخرى.. وها نحن مع أوّل عاصفة فإنّ الإمداد يتوقّف، أو كما حصل خلال الحصار العسكري والإقتصادي يتوقّف الإمداد أو كذلك حين ترفع الأسعار.. حالنا كحال المريض المربوط بشريان واحد في مستشفى كلها مشاكل وفاتورتها عالية.. إذن الوضع غير طبيعي، مع أنّه يمكن الإمداد من خلال شرايين حياة ثانية.

هذا كلام يتردّد دوماً.. أي هذا هو الوضع؟ أين الحلّ ومتى؟

لا أعتقد أنّه قد وضعت في لبنان استراتيجيّة نفطيّة كاملة. بل يحكي بأفكار متفرّقة لم تترجم إلى خطّة حوّلت إلى مشاريع تنفّذ. نحن وضعنا خطّة ليس فقط للكهرباء، بل لكل ما له علاقة بالطاقة. وضعنا خطّة الكهرباء وقانون النفط  وحضّرنا مسودّة لقانون التخزين والتكرير في لبنان. نحن نجري مباحثات لإبرام إتفاقات تعمل على مدّ لبنان بالغاز الطبيعي. نحن “نعمل” وليس “سنعمل”. نعدّ خطّة للغاز ودراسة لمحطّة الغاز السّائل. نحن اليوم في وضع من يعرف ماذا يريد.. وقد حدّدنا برنامجاً زمنيّاً نعمل عليه.. هناك عوائق سياسيّة؟ هذا يحصل..

السّقف الزّمني للخلاص من وضع متأزّم؟

لكلّ خطّة برنامجها، لا سقف زمني واحد للكلّ. لكن يمكن القول أنّه في الـ 2014-2015 يجب أن يكون لدينا مشهد نفطي جديد في لبنان، يتضمّن خطأ للغاز ومعملاً للغاز السّائل ومستودعات تخزين كبيرة، وأشير إلى عمليات تشبيك بدأت في البرّ والبحر..

التعاون سيكون مع شركات أجنبيّة.. لكن تكلفة إستخراج النفط هل يمكن توازي الاستمثار؟

نحن أولاً لا نجري استثماراً. الدّولة لا تخاطر بذلك، فنحن ليست لدينا الخبرة ولا المعرفة ولا الجهاز البشري.. نحن نسعى للإستعانة بشركة عبر إتفاقيّات تقاسم أرباح، الشركة تأخذ المخاطرة وتضع الأموال ولديها خبرة ومعرفة وعند الإنتهاء نتقاسم معها.

الحصّة المحسوبة لنا تكفينا معالي الوزير؟

ما نحصل عليه اليوم هو صفر أو سلبي، ومهما حصّلنا فإن النتيجة أفضل من وضعنا الحالي. لكن هذا غير كافٍ، علينا أن نعمل للوصول إلى الحدّ الأقصى الذّي يجب أن نحصّله. إذا كان 100 فعلينا أن نحصل على 100 لا إلى 90، أو أن نزيده إلى 110.. لدينا مورد تحت البحر، علينا أن نعرف كيف نستغلّه إلى الآخر.

وجود النفط في لبنان ماذا تقول عنه؟

علميّاً لا يحقّ لي أن أكون جازماً وأقول إنّه يوجد نفط في لبنان بنسبة 100% أو أنّه لا يوجد على الإطلاق، بل أقول إن احتمالات وجوده عالية جدّاً. للمناسبة، ماذا قال الإسرائيليون؟ كم جنوا اليوم من مباحثاتنا مع الإيرانيّين حول الغاز؟ كيف يقولون إن الحقول الغازيّة واعدة أكثر واحتمالاتها عالية؟ ماذا قال الوزير الإسرائيلي: (يقرأ في نسخة من جريدة أمامه)  “مقتنع بأن اللبنانيّين جادّون هذه المرّة”.. والوزير الإسرائيلي يحذر من ذلك “في آذان كل من هو مستعد لأن يسمع”.

يخيفك هذا الكلام؟

بالعكس يشجّعني، أعرف حجم التحدّي وأن ما بين أيدينا، ليس موضوعاً بسيطاً.

المنطقة على شفير حرب بسبب المخزون النفطي المفترض..

أعرف أنّه عندما نقصد إيران فإنّ الزيارة تدخل في إطار المجالات المفتوحة، وأضيف أن المجال مفتوح أمام الأميركيين ومثلهم الشركات الإيطاليّة.

لكن صوفة إيران حمراء..

لا، المنافسة متاحة.. فليأتوا ويقدموا العروض ونحن منفتحون على الجميع، لنرى الأنسب ونعرف أي الشركات التي تملك الخبرة هي الأحسن، والإمكانيات الأكبر، لدينا البرّ ولدينا البحر، وهذه في النهاية شركات عاملة.

وهدفها “بيزنس”..

ولم لا يقبل الناس؟ إن الأزمة عالمية . ها هي إسرائيل تسحب الغاز من “بحرها”.. لماذا كل ما أردنا أن نستعمل ما هو حقّ لنا يتسبّب ذلك بقلق؟ وحتى يقلقوا يجب أن يبقى لبنان محطّماً ومدمرا؟ لم لبنان وفي كل مرة يقوم بحركة نهضوية وفي أي قطاع كان يقلقون؟

تقول إنه لا مشكلة مياه لدينا بل مشكلة إدارة مياه.. مع أن الناس يشكّون والمياه الجوفية تستهلكها الآبار الارتوازية وهدر المياه شغّال ولا سدود كافية.. ما جوابك؟

عندما اقول لا مشكلة مياه فهذا يعني ان الماء متوفرة الآن لكن الأمر ليس مضموناً في المستقبل، ويعني أيضاً أن المورد المتوفر اليوم، قد لا يبقى متلائماً مع النمو المتصاعد.

لجهة الاستهلاك غير الرشيد لها؟

نعم.. فنصل إلى مكان زمنياً بدأت مؤشراته اليوم، بل لقد بدأنا بالدخول في مراحل الخطر، نظرياً لا مشكلة لدينا أكثر من الطلب. لكن سوء الإدارة يجعل هذه المياه المتوفرة تهدر بأقل من حاجة الناس، هذه الخسارة تنزلنا تحت الطلب. والحل في أمرين: إدارة جيدة لها شروطها لجهة المؤسسات القوية والبنى التحتية التي تنقل هذ المورد- الشبكات المتينة مثلاً- وصولاً غلى ضرورة تعاطي المواطن مع الماء بمفهوم متقدّم وواعٍ وليس على كونه سلعة.

طبعاً الترشيد في استعمالها واستهلاكها

معظم اللبنانيين لديهم سلوك عام تبذيري في ما لا يتعلق بالحق العام وتوفيري في ما يخصّهم.هنا علينا أن نطال الإنسان بشكل مباشر، كي يتعاطى بالطريقة المناسبة، هذا لجهة الإدارة. أما من جهة البنى التحتية، فعلينا أن نعمل عليها بطريقة تقليل المصيبة المائية الآتية، بسبب التغيير المناخي وبسبب لعب اللبناني بالمياه، أكان عبر تلويثها أو استخراجها بطريقة غير رشيدة. وعندما يتلاءم هذان الأمران مع بعضهما البعض نأتي بالحلّ.

بحاجة للتعاون مع وزارات أخرى..

لا، نحتاج الى الحكومة مجتمعة لتعطينا المال.

كم موازنتكم؟

صفر.

صفر؟ لكن ثمة موازنات تقدّم..

صفر.. في الصرف الصحي؟ أين تصرف وزارة الطاقة؟ في السدود؟ عندما تكون دولة مثل إيران عليها حصار وتبني 100 سدّ في وقت واحد في السنة الواحدة، وفي لبنان وخلال عام قد انجزنا سدّاً واحداً، هنا معنى الصفر.. المشكلة التي نحاول شرحها دوماً أنه ليس المهم ان نتقدّم، فالبشرية متجهة نحو التقدّم، المهم هو نسبة التقدّم إذا كانت بطيئة قياساً على نسبة تقدّم الغير، ما يعني أن المسافة بينك وبين الغير تكبر، ما يعني أيضاً أنك في تراجع. نريد أن تعطينا الحكومة المال، وأن تلبينا وزارة المالية وأن تعمل مؤسسات الماء والانماء والإعمار، أن يكون عملها منضبطاً ضمن الخطة العامة، وكذلك أن تنضبط البلديات وتتقيّد بخطة عامة. هناك حالة فوضى تواجهنا كل يوم، المجاري الفالتة على الأنهر أو على الطرقات أو في البحر، أو في محطات أنشئت ولم تعمل، أنا لا أقول كل ذلك لكي أنعي بل لأوصّف مشكلة أعرف حلّها. اليوم لا خريطة في لبنان تعطي واقع الحال، أي أن تشير إلى أن هذه منطقة حمراء خطرة، هذه أقل خطراً أو هذه آمنة، لتحديد درجات الخطر وفي وصف تكاليف معالجتها.

أين التوك معالي الوزير؟

التوك في نظام سياسي فاسد. فساده يُترجم في أمرين: اتجاهه الغريزي للسرقة واتجاهه الطبيعي للكسل والاهمال، بحيث يصعب التمييز إذا كان ما ارتكب سببه السرقة أو الغباء.. هو غباء معمّم.

تسافر وتستكشف..

(مقاطعاً) على فكرة، أنا لا أسافر كثيراً إلا عند الحاجة، حتى أنني لم أشارك حتى الآن في مؤتمر.. برأيي أن العمل االأساسي هو هنا، فالشركات تقصدنا لتطلب التعاون وليس نحن من يفعل ذلك.

حسناً.. أمام كل هذا النشاط والمتابعة والخطط ألا تصيبك حالة إحباط؟

لا

لا؟!!

ليس لدينا كلمة إحباط، نبحث عنها ولا نجدها.

هذه مكابرة..

سمّها ما شئتِ، لكن هذه نتيجتها أننا نعمل كل يوم أكثر من الذي سبقه وليس أقل.

مع كل هذه “العبقة” في الوضع؟

الرؤية عندنا واضحة (يضحك) ثمة أشخاص عابقة عندهم “خلقة”، أما نحن فلا.

كم تعتقد أنه يلزم من الوقت كي تلمس إنجازات كتلك التي حققتها في وزارة الاتصالات وأنك راضٍ في وزارة الطاقة والمياه؟

التغيير بدأ.. لكن كي يشعر الناس به فعلياً وأينما كان، قد نحتاج الى 3 أو 4 سنوات. ونحن نقوم بأمور كثيرة إن بدات بإحصائها فلن أنتهي.

الضغط كبير عليك.. ألا تقرّ بذلك؟

لا..

كم تستهلك الوزارة من وقتك؟

حسب.. 20 على 24 ساعة، مع أن العمل يكون أحياناً بطرق عدة. لكن إجمالاً إبقى لوقت متأخر في الوزارة قد أبقى هنا للواحدة ليلاً.

هي دور أكثر مما هي منصب..

لا بأس .. لقد تعاقب وزراء كثر، من وماذا نذكر منهم؟ البقاء في الوزارة يحملك مسؤوليّة أكثر، وكلّما ابتعدنا عنها ونحن بداخلها يؤلمنا ضميرنا أكثر.. لكن هذا يتمّ على حساب أمور كثيرة.. على حساب الإنسان .. خصوصيّاته، إنشغالاته الأخرى حتّى المهنيّة والسياسيّة.

تطلّع على “الإعلام المضاد” إذا جاز الوصف.. يزعجك ما يكتب عنك؟

لا يضايقني الإعلام بل بعض النّاس عندما يضيعون الإتّجاه الصّحيح.

على عهد أيام الإتصالات كانت في حال حصلت مشكلة في الخطوط يقولون جبران باسيل..

(يضحك) إيه.. هذا ما حصل أيّام الإتّصالات.. أمّا اليوم، فإنّه يعلّق على الماء والكهرباء.

إذا ارتفع سعر البنزين الآن فأنت مسؤول..

نعم، في 9 أشهر زدنا عدد المشتركين في الهاتف الخلوي فأصبح مليون و300 ألفاً، وأصبح 100 ألف لبناني يستفيدون من خدمة الـDSL وبهذا لم نصل فئة صغيرة من الناس، بل كلّ الشعب الللبناني الذّي لم يكن يملكها وباتت متوفّرة له بتكلفة منخفضة. حسّنا الشبكات والخدمة وإلى آخره في السّياسة، الناس تضيع، لكن في النهاية يبقى الرّقم وهو مسجّل مليون و300 ألف مشترك جديد في الهاتف الخلوي، وفاتورة أقلّ وجدمة أفضل، وهذه لا يمكن أن يمحوها أحد.

في هذه الوزارة ذات الأبعاد الثلاثة.. في الكهرباء ماذا بمكن أن يسجّل من إنجاز يحسب لك.. ما هي الأرقام التّي ستكون بصمتك؟

24 ساعة كهربا.. صفر عجز..

صفر عجز؟ معقول؟ نحنا وعينا والكهربا على هذه الحال؟

إذن نحن شعب محبط  ولا يمكن أن نصدّق أنّنا شعب من أفضل الشعوب، لكن لا يمكننا أن نفكّر أنّه لدينا حقوق الناس وحقوق العالم الباقية. لماذا علينا أن نقبل أنّنا بلا همّة؟ وأنّه لو مهما جرى، وطالما أنّني مسؤول فإنّني سأبقى أعمل عليه.. أنا أعتبر أن ما أقوم به وأسجّله، ما هو إلاّ أساس لأمر آخر، ومرحلة ثانية، في كلّ يوم عليّ أن أقوم بإنجاز.. مع رسالة أوقّعها وأبعثها هذا يعني أنّني أنجزت. من يأتي من بعدي يعمل ويؤسّس عليه.

وزارة الطاقة.. هل تحوّلت على عهدك إلى مؤسّسة لها نظامها.. وصارت الوزارة تشبهك؟

في “الإتصالات” قلت لهم مرّة إنّني أشعر بعزلة.. اليوم أشعر بالغربة..

من سيّء إلى أسوء؟

لا..

أيّ من الوزارتين فيها مشاكل وتعب أكثر: الطّاقة أم الإتّصالات؟

الطاقة.

كنت تعرف مسبقاً حجم الهمّ؟

كنت عارف.

ومشروع النّفط لم يكن غائباً عنك؟

لا ولَو.. كان الوزير آلان طابوريان يعمل عليه وهو صديق وزميل في الكتلة. لكنني كنت خائفاً من أن المشروع قد يأخذ وقتاً ويلغي اهتمامات أخرى على المستوى العام وليس فقط على المستوى الخاص لكنّه تحدٍ.

التحدّي يعود إلى الشخصيّة معالي الوزير أم للمشروع السياسي الذي تحمله وتمثّله.. وقد وضعت الناس فيك آمالاً.. أم أن القصّة مجرّد عناد في أننا نريد أن نغيّر..

(يضحك) العناد في أنّنا لن نغيّر.. إذا كان الأمر جيّداً لا يحتاج إلى تغيير لكن العاطل يجب تغييره وإن لم نشأ تغييره فهذا هو العناد..

لكن هذه هي تركيبة البلد؟

لا..بل علينا أن نغيّر، مع أن المتضرّرين من التغيير كثر، ونشعر بأنّه في كلّ يوم وكأنّنا نتخطّى حاجزاً.

النّاس تتجاوب معك… في سرعة تلبية الدّعوة الى تغيير العدادات مثلاً؟

لقد بلغ العدد 187 ألفاً.. عندما نقوم بإنجاز نافع للناس، أكانوا معنا أم ضدّنا، عندما نقوم بعمل جيّد للناس من كلّ الجهات فهم يتجاوبون ليستفيدوا منه.

مع أنه ثمّة فئة ومهما استفادت من خطّة طبقتها تبقى بالنسبة لهم جبران باسيل؟

هذا لا يغيّر شيئاً.. ولو أن هؤلاء يؤثّرون بي، لكنت أحبطت من زمان.. مشكلتهم هي مشكلتهم هم.

المياه الحلوة الموجودة في بحرنا معالي الوزير هل من تفكير في الإستفادة منها؟

التفكير موجود، لكن لا حاجة ملحّة طالما هناك مصادر مياه إستعمالها أرخص وأقلّ كلفة. نفكّر بها عندما تشحّ المصادر الأخرى وأصبحت المياه الحلوة مصدراً إجباريّاً لا بدّ من اللّجوء إليه.

تتركونها خزاناً طبيعيّاً للوقت الصّعب؟

المياه الحلوة الموجودة في البحر تصله من تحت الأرض بدل أن تصبّ فيه من النّهر.. الفرق هنا هو أنّ مجرى النهر يمكن أن يحدده له سدّ لحصر المياه، لكن لحصر مياه البحر الحلوة فالأمر مكلف أكثر. فلنحصر المياه التي فوق الأرض أولاً، ففيها منفعة مثل الريّ ويمكن أن تنفع كمقصد سياحي.

ما هي الوزارة التي تتمناها بعد وزارتي الاتصالات و الطاقة؟

وزارة البيت والعائلة.. أفتقد أولادي كثيراً وأعيش الحسرة كل يوم.. فـ.. هذه المشكلة الوحيدة التي تقهرني، فلننته من الكهرباء والماء والنفط.

أسألك جديّاً معالي الوزير..

ما في بعد.. لم ننته بعد ممّا لدينا.. بعد أن انتهينا من وزارة الإتصالات، شعرت أن التحدّي الكبير أنجزته. وأقول لك، لقد أنهينا هنا 25-30 على 100 ممّا يجب أن ننهيه، المهمّ أنّنا بدأنا.. وأن التحدّي الأكبر تمّ. هنا في الطاقة، لنأخذ النفط مثلاً، فلقد أعددنا قانوناً، لكن هناك ما هو أهمّ منه، هي المراسيم، وكلّ الإطار التشريعي القانوني التنظيمي.. والأهمّ من هذا وذاك، أن نبدأ بالتنقيب، حينها يمكنني القول إنّنا انطلقنا، مع أن هذا لن يحدث على أيّامي. في الكهرباء أيضاً، إذا بدأنا بإنشاء المعمل الأخير الذّي أنجزنا عقده، وأمنّا له الأموال اللاّزمة، أكون قد قمت بالعمل الصحيح. نحن نحكي عن أمور دائمة وتستمرّ.

من ضمن خطط عمل الطاقة البديلة المنتجة من الماء وتيّارات الهواء ومن النّفايات..

في خطّة الكهرباء هي واردة وواضحة، فوائدها معروفة لبلد مثل لبنان عنده هذه الإمكانيّات. وطبيعي أن تردّ، لكن علينا أن لا نغلّط ونتّكل عليها بشكل أساسي، فهي مصادر طاقة بديلة، تؤمّن تكاملاً مع المصادر الأساسيّة التّي تأخذ عنها وتوفّر على البيئة والكلفة لكن ولا أي بلد يعوّل عليها على أنّها أساس..

من ضمن ما ستتركه في الوزارة نظام مؤسّساتي أم أنّك ستغيّر وتصلح وتغادر؟

الوقت هو ما يحدّد كم يمكن المرء أن ينجز وأن يبقى مكرّساً. يعني أنا اليوم لم آتِ بشخصٍ جديد إلى الإدارة، لكن استعنت بفريق عمل من خارج الإدارة، “كالإدارة”. سأعطيك مثلاً.. هنا وكما جئت أذهب، ولكن سأترك خلفي ما يستمرّ وهو الخطّة المشروع. وضعت غازاً تحت الأرض وبقي، لن أذهب وأرفعه من مكانه.. لكن من الناحية البشريّة التّي تؤمّن الإستمراريّة، فإنّ الوقت هو ما يعطيني إمكانيّة أكثر لأريح الناس. نحن نحتاج إصلاحاً مؤسّساتيّاً كبيراً.. لا يمكنني أن أغيّر في بعض الأمور، أحتاج إلى مرسوم وقانون. هنا نحن لسنا في شركة لها مجلس إدارتها وقرارها بيدها، بل هناك ارتباط بإطار مؤسّساتي معيّن، وبهيكليّة تنظيميّة لا يمكن تغييرها إلاّ بقانون معيّن. هناك أشخاص لا يمكن فصلهم من العمل لأنّهم موظّفون في القطاع العام وبالمقابل لا يمكن إدخال موظّفين جدد لأنّه يجب أم يتمّ ذلك من خلال الخدمة المدنيّة وغير ذلك. القصّة ليست بهذه البساطة..

ماذا تقول للناس؟

بلا كهرباء وماء وموارد طبيعيّة لا اقتصاد ولا بلد.. يعني من الهامّ جدّاً أن نعمل دولة، كذلك أن نعمل مقوّمات يعيش الإنسان فيها.. هذه أمور مهمّة كما المحكمة الدوليّة وربّما أكثر.. لو عرفنا كيف نحيّدها. لماذا لا نعرف كيف نحلّ الأمور مع بعضنا البعض رغم اختلافنا ونحن في السّياسة.. ما المانع؟ عندما نختلف في السّياسة تقف الكهرباء ومعها الموازنة.. مختلفون؟ علينا أن نحلّ أمور الناس العالقة وبمعزل عن الحساسيّات.. لبنان بلد لن يأتي يوم من دون صراع سياسي حاد فيه، هذه طبيعته وهذا تكوينه.. وإذا كنّا مختلفين هل نعقّد أمور الناس؟

ماذا تحبّ أن تقول بعد؟ أنّك تعبان مثلاً؟

وهل هذا واضح؟

نعم

أقول للناس؟ هذه مشكلة.. هل أقول نهار راحة لله يا محسنين؟ (يضحك) الناس يجب أن تعي أهميّة دورها في الأمور الحياتيّة.. ماذا يفعل اللبناني؟ من عنده مشكلة كهرباء.. كيف يعالجها؟ يشتري مولّداً خاصّاً للكهرباء.. هذا يدلّ على أنّه “دبّير” لكن هذا في الوقت ذاته يدلّ على أنّه يبحث عن حلّ على المدى القصير..

أو أنّه يعلّق على الشّبكة..

صحيح.. وهذا يحلّ مشكلته اليوم، لكنه يراكم مشكلة ثانية، فهو يدفع للمولد 10 مرّات أكثر ممّا يدفع للكهرباء في المباشر وفي غير المباشر.. هذا أمر يستنزفه، واللبناني يجد أنّه من الأسهل له أن يحفر بئر ماء وإن لوّث، وأن يضع مطرة البنزين، كلّ هذا في الحياة اليوميّة ولكنه لا يتوجّه إلى مظاهرة أو إعتراض حقيقي هدفه التغيير.

تدعو لثورة معالي الوزير؟

أكيد أدعو إلى ثورة.. لا يمكن أن نتأقلم مع هذا الجو.. ندعو إلى نفضة وتغيير.

في تسعيرة المولّد هل تحدّدها الوزارة؟

نحن نحصل على 27 ليرة لبنانية على الكيلو/واط ولم يكن أحد يحكي. في البداية، ومع أنّها لم تكن مسؤوليتي ولا صلاحياتي، بادرت إلى اقتراح أن نحدّد تسعيرة معيّنة، فبدأت الأسعار بالإنخفاض.. الغريب أنه إذا دفع أحدهم فاتورة عالية يقول جبران باسيل! ما علاقتي أنا بذلك؟ أما لا يمكن أن أقبل في أن “يتبهدل” الناس ومن واجبي أن أوجّههم إلى أن ينتبهوا إلى أن هذا يأخذ زيادة وهذا يأخذ منكم الكثير. أي أن نوجّه السّوق إلى مكان مضبوط أكثر. وهنا يمكن الحديث عن صلاحيّات أو حتّى عناصر درك.. هذه مهمّة مصلحة حماية المستهلك.

عن معمل الذوق والتلوّث الذي ينجم عنه.. هل سيبقى؟

لا، ثمّة مشروع في أن ينقل المعمل بعد 5 أو 6 سنوات.. ويعمل وفق معايير بيئية.

ينقل إلى أين؟ 

لدينا الكثير من الأراضي.. الأرض في الذوق بات سعرها لا يقلّ عن 500 مليون دولار وربّما أكثر.. بكلّ بساطة نعطيها لمستثمر ونعمّر بثمنها معملاً جديداً يعمل على الغاز ولا يلوّث..

أين تقف صلاحيات الوزير؟

عند مسؤوليّته.

كيف؟

أي أنّه بالقدر الذي يكون فيه مسؤولاً تكبر صلاحياته، مثل قصّة المولدات وهي ليست من صلاحياتي لكتها مسؤولية معنويّة.

وهل تمون في أن تغيّر؟

هذا ليس مهماً، المهم ما أقوم به.. ثم أنني أرى كيف تتجاوب الناس عندما أنجز ما هو في مصلحتهم.. هل هناك أكثر من أن أقصد صاحب المولد وأقول له: “سعرك عالي عليك أن تخفّضه”.. وأن أخبر الناس أن السعر يجب أن يكون كذا؟ أو أن أقول لمخالف انتبه شريط الكهرباء الخاص بك يمرّ على منشآتي وعليك أن تغيّر.. الإجراء الحقيقي الذّي أنجزه هو عندما أؤمن الكهربا للناس. للناس دور في قمع المخالفة.. وعندما يتضامن الناس مع بعضهم البعض حول حقوقهم، يذهبون في اتجاه واحد ويساعدونني.

هل تشعر أنك ستستمر طويلاً بهذه الهمة؟

لا تلتفتي الى شكلي اليوم، لقد أتيتِ في لحظة تخلٍّ. (يضحك)

الكلام بهذا الكمّ من التفاؤل وما بحمله من شحذ للهمم لم نتعوّده منكم..

لو لم يكن الوضع سيئاً لما كانت الناس بحاجة إلى أناس مثلنا..

رغم الضغط والتعب الظاهر عليك، إلا أن جوابك جاهز..

تعرفين؟ التحدّي الأكبر هو أن نزيل اليأس من الناس ليستعيدوا ثقتهم بأنفسهم، وأن يجدوا حينها دزلة مؤسسات، ولكن عندما يسلّم الناس أمرهم إلى طبقة سياسية فاسدة، فالعوض والسلامة.

لعل الناس بحاجة إلى قائد يدلّها الى حيث الصح.. ثقافة القطيع موجودة، فلتكن بما فيه خير للناس..

نحن نقول لهم تفضلوا معنا الى العشب الأخضر لا الى المسلخ..

التعليقات