اتاحت لي ظروف الحرب في لبنان في الفترة الأخيرة، العودة مجدداً الى بيروت والاقامة في احيائها الجميلة والمشاركة في حضور مجالس عاشوراء في الجمعية العاملية التي اسسها الزعيم الكبير الراحل رشيد بيضون.
وفي السنوات الماضية، كنت أحيي عاشوراء في الضاحية الجنوبية ببيروت سواء في مسجد الحسنين في حارة حريك او في المراسم الاخرى وفي المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.
لكن العودة الى الجمعية العاملية تعيدني الى طفولتي حيث كنت ارافق الوالد لحضور مجالس العزاء في قاعة الجمعية والاستماع الى أحد أهم مقرئي العزاء في لبنان الشيخ محمد نجيب زهر الدين واضافة الى المشاركة في اليوم العاشر من محرم، في الاحتفال الرسمي والذي كان يشارك فيه الامام موسى الصدر ولاحقا الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والامام الشيخ عبد الامير قبلان وشخصيات لبنانية متنوعة .
وكنا ايضاً نذهب مع الوالد او الوالدة الى مجلس عاشوراء في الغبيري في حسينية ابو رياض الخنسا او حسينية النساء عندما كنا صغارا ونندب مع النساء: زينب تندب اخاها يا حبيبي يا حسين ، وكان من ابرز قراء العزاء الشيخ عبد الوهاب الكاشي .
ولكن خلال الاربعين سنة الماضية تطورت مجالس العزاء وتوزعت في مناطق عديدة واخذت ايضا بعدا سياسيا وجهاديا، وكان لعاشوراء دور مهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وخصوصا في مدينة النبطية.
واما في الجمعية العاملية فقد حافظت الجمعية اليوم برئاسة السيد يوسف بيضون نجل الوزير الراحل محمد يوسف بيضون على تراثها العاشورائي من خلال مجالس العزاء التي تقام في باحة الثانوية العاملية بحضور حاشد من النساء والرجال وحيث يتلو مجلس العزاء الدكتور الشيخ عباس فتوني والذي يتميز باسلوبه الخاص من خلال القصائد التي يلقيها وكذلك اللغة العربية الصافية وكانه يقدم اسلوبا جديدا لمجلس العزاء يستحق التقدير والتنويه.
مجالس عاشوراء في الجمعية العاملية كما كل مجالس العزاء في لبنان والعالم العربي والإسلامي وفي العالم ،هي رسالة من اجل الوحدة الوطنية والإسلامية، ومن اجل مجتمع افضل، يركز على المواطنة بعيداً عن التعصب الديني والانفعال وعلى اسس علمية وتاريخية دقيقة، وهذا ما نحتاجه اليوم وما سعى اليه الكثير من العلماء والخطباء بعيدا عن التعصب والانفعال.
كل الشكر والتقدير للجمعية العاملية على جهودها التربوية والدينية ولكل من يتابع هذه المسيرة العاشورائية في مواجهة الظلم والاحتلال والقهر.
هذه المجالس تؤكد ان هذه الطائفة الكريمة هي مكون اساسي في هذا الوطن وفي العالم العربي والإسلامي، وانه رغم كل ما تعرضت له من مظالم وتحديات فهي مستمرة في مسيرة الاصلاح والنضال ومواجهة الظالمين.