الإعلامية ابتسام غنيم: “صديقة” أكثر من “صحفية”.. “سكوب” لا “فضيحة”.. والحياة مشوارٌ قد ينتهي برمشة عين..

تجربة مملوءة بالمرارة والدم وغبار الموت عاشتا الزميلة الصديقة ابتسام غنيم، رئيسة تجرير مجلة “الموقع” الإلكترونية، ورفيقة درب إعلامي “فركشته” حصى الأيام.. 

رأت الموت بعينيها وعادت، وحمداً لله على سلامتها، عادت بتجربة وعِبر، هي “القنوعة الشبعانة” التي جاهدت واجتهدت لتكسب بريق اسمها بعرق الحبر والجبين..

هي من طينة مختلفة، لها أن يُحتفى بحياتها ونجاتها وعافيتها.. لتبقى مع عدد مجيد من أهل المهنة، على شرف الحبر والخبر اليقين.. وطيب النوايا..

حنان..

خبّرينا بل طمئنينا عن وضعك الآن؟

الحمدلله حالياً قيد العلاج ومن الطبيعي أن لا تزول الآلام فجأة لا بد من أن تاخذ الجروحات وقتها حتى تلتئم، أما الحالة النفسية، فحدّث ولا حرج.. ومع ذلك أقول إن المؤمن دائماً معرضٌ للابتلاء والحمدلله على كل شيء.

محبة الناس التى أحاطت بكِ، وغمرت هاتفك وصفحاتك على مواقع  التواصل الاجتماعي، والاهتمام الإعلامي بك.. ماذا تقول لك، في هذ الظرف الصعب؟

بصراحة لم أكن أتصور اني محبوبة بهذا الشكل.. سعدت كثيراً بعدما استفقت في اليوم التالي ورأيت كمية الاتصالات والفويسات والتي لم تكن عابرة بل كان هناك الحاح للاطمئنان عليّ من اشخاص كثر من لبنان ومصر والعراق والكويت وامريكا والبحرين واربيل وسوريا.. تعلمين جيداً انه على مدار مشواري الاعلامي كنت دائماً اتعامل مع الجميع على أني صديقة وليس صحفية.. واليوم ايقنت اكثر أن الاعمال الطيبة والكلمة الحلوة لا يمكن ان ينساها الطرف الآخر.. وأيقنت أكثر من أن هناك فرق شاسع من أن يحبك الآخر بصدق وبين ان يتكلم معك لأنه يخافك وقلمك..

ماذا علّمتك هذه التجربة على مرارتها؟

 لا أخفي عليكِ أنني، ومنذ فترة، صرت أتذمّر من نفسي.. لأني مسالمة لا أفتعل المشاكل، ولا ألهث وراء السبق الصحفي.. وأساعد الآخرين على قدر الإمكان لكني لم أستطع أن أجمع ثروة من مهنتي.. والكل يعلم أني على مدار عملي سجلت عشرات السكوبات وليس الفضائح.. ووفي حياتي الشخصية ظُلِمت جداً من بعض المحيطين بي وأقولها لأول مرة عبر منبرك، لقد بنيت نفسي بنفسي وتعبت كثيراً في حياتي.. وكل هذا معناه أن الله عز وجل وضعني أكثر من مرة في عدة امتحانات ونجوت منها.. لكن اليوم وبعد أن شاهدت الجثث بعيني وتنشقت رائحة الموت أصبحت زاهدة أكثر بهذه الدنيا، وبقدر ما كنت أكره الشهرة أصبحت أعشق أكثر المساكين والطيبين والبسطاء.. أما أصحاب الاقنعه الزائفة فهم مثل تلك الشهرة الآنية إلى زوال.. ولا أنسى حتى اليوم نصيحة المخرج الكبير مصطفى العقاد الذي كانت تربطني به صداقة وطيدة رحمه الله الذي قال لي مرة: “يا بنتي قد ما فيكي عملي خير عند الله ما بضيع شي”.. معه حق فأنا لا أنتظر أي جميل من أحد خصوصاً من البعض الذين ساعدتهم كثيراً في مشوارهم الفني إذ لم يكلفون عناء أنفسهم الاتصال.. ما يعني أن الدنيا فيها الصالح والطالح ثروتي هي محبة الصادقين .. أما هؤلاء الذين يتقنون تبييض الوجه ومسح الجوخ، أعتبرهم من عداد الأموات وليس الشهداء.

والآن.. ما الذي جرى معك يوم التفجير المشؤوم؟

كنت مع الزميلة تاتيانا افرام بزيارة للدكتور هراتش سغبزريان في مستشفاه، حيث التقطت لها بعض الصور معه وسألته عن علاقته بالفنانة رينيه ديك التي وضعها أهلها بدار المسنين كونه دائم السؤال عنها وعن صداقته بالراحل مروان محفوظ الذي كرمه في مهرجان الزمن الجميل، وخصّه الاخير بفيديو قبل وفاته ببضعة أيام.. غادرنا مستشفى الدكتور هراتش من منطقة الربوة وما إن وصلنا إلى المرفأ حتى قالت لي تاتيانا انظري يوجد دخان في السماء فقلت لها اذهبي ناحية الشمال ربما هناك حريق بالمرفأ، وما ان انتهيت من جملتي حتى طارت بنا سيارة تاتيانا وشعرت بسخونة في يدي ووجهي ورميت نفسي على تاتيانا كونها هي التي كانت تقود السيارة وفي أقل من ثانية لا اعرف كيف استجمعت قواي وطلبت منها الخروح من السيارة.. كانت تاتيانا بحالة صدمة وذهلت عندما وجدتني غارقة بالدماء فصرت اصرخ بها واقول لها اخرجي من السيارة.. خوفاً من أن تنفجر بنا لكنها ظلت متسمرة من هول الصدمة وصعب علي أن اقفز من الشباك ناحيتي الذي تحطم واتركها، عندها صرت أركل الباب ناحيتها بقدميي بكل قوتي حتى انخلع ورميتها خارج السيارة، ونزلت ودفعتها أمامي وركضنا.. في تلك اللحظة لم إشاهد إلاّ الدمار والجثث على الطريق وتاتيانا كانت تبكي واتصلت بوالدتها وطلبت منها أن تاتي لنجدتنا بينما إرسال هاتفي كان قد انقطع تماماً. شاهدت سيدة كانت تنزف بشدة وتبكي وخائفة، أمسكتها من يدها وصرت أجرّها لتركض معنا ووجدت طفلاً يبكي وطلب مني أن أبحث له عن أخوته الذين كانوا يلعبون قرب المرفأ فقلت له تعالى معنا حتما سيلحقون بنا لأني ضمناأ ادركت انهم ماتوا.. هذا الطفل اكثر من ترك غصّة كبيرة في قلبي.. وصلنا إلى فوج الاطفاء فقالوا لنا إنهم ارسلوا الشباب لإطفاء الدخان لكن الانفجار وقع ولم يعودوا.. فجاة وصلت سيارة اسعاف صغيرة وضعونا بها.. تاتيانا بقيت لأن والدتها كانت على وصول في تلك الاثناء وللأمانه شدتني من داخل الاسعاف لتأخذني معها فقلت لها اذهبي وانا ساتدبر امري مع المصابين..

وتكمل الزميلة غنيم في سردها لما جرى:

في تلك اللحظة وصلتني رسالة لهاتفي من دكتور هراتش لم افتحها لكني استغليت فرصة عودة الارسال وسجلت له رساله قلت له فيها اني مصابة وانزف وبدأت بعدها افقد الوعي تدريجيا واشعر بالالم.. اخذونا الى مستشفى الوردية كانت في حال دمار تام جلسنا على الرصيف ننزف.. وصلت سيارة اسعاف أخرى نقلتنا الى مستشفى مار يوسف التي كانت تعج بالمصابين ولم يكن لديهم الامكانيات الكافية لمعالجتنا فاكتفوا بتضميد جراحنا وهنا عاد الارسال الى هاتفي وتلقيت اتصالا من ابني عمر فاعلمته عن مكان وجودي.. اتى على الفور مع والده وذهبنا مباشرة الى مستشفى العناية بالطفل والام في فردان وهناك اجريت لي الاسعافات الاولوية وتبين انه لا يوجد كسور بل رضوض في كل انحاء الجسم، ووتر يدي اليمنى قُطِع، فأجروا لي جراحة عاجلة وفي كتفي جرح غائر تم تقطيبة 19 غرزة وفي وجهي أيضاً جرح لكنهم ضمدوه ورقبتي كذلك وتم سحب الزجاج الذي كان في راسي وقدماي وظهري.. وبعد 12 يوماً سيفكون الغرز وقد اخضع لعلاج فيزيائي ليدي… ما حصل كان مؤلماً لكن في الوقت عينه زادني يقيناً ان الحياة مشوار قد ينتهي برمشه عين.. حزنت جداً على الاصدقاء الإعلاميين الذين تعرضوا للاصابات لا سيما صديقتنا المشتركة هلا حداد التي اتمتى لها الشفاء العاجل وحزنت اكثر على الشهداء والمفقودين.. لا انكر ان المشهد الذي عشته لا زال مطبوعاً في ذهني لكن صورة الطفل الباكي الذي كان يبحث عن اخوته كلما اتذكرها تبكيني.

التعليقات