كتبت: حنان فضل الله
في الأزمات المتتالية على عالمنا الحزين الموبوء بسرطان الكيان المروّع، المزورع في الجغرافيا مؤثراً على الجيوسياسة وبالأحداث المصيرية بكل معنى الكلمة، ظهرت طبقة من “الشخصيات” التي جرى التعارف على تسميتها بالـ محلّل استراتيجي و محلّل سياسي أو كليهما معاً ثم أضيف على إحدى الصفتين: المحلل العسكري.. منهم من يستحق الصفة والتعريف، لما له من قدرة كاملة على التحليل الصحيح واستشراف الآتي.. والأمثلة على ذلك قليلة، تكاد لا تكفي أصابع اليد الواحدة، يتقدّم الأسماء د. ميخائيل عوض (لبنان)، والبروفسورة ليلى نقولا والمستحق بجدارة لقب المفكر الحكيم د. حسن حمادة… وآخرين طبعاً.. ومنهم منْ..
وصولاً إلى شخصية تشكل جدلية خاصة حولها على مواقع التواصل الاجتماعين صاحب هذه الشخصية هو اللواء فايز الدويري، الذي يسجّل عشرات الآلاف إعجابهم به ويتابعونه على تلك المواقع، وعشرات الآلاف ممن لا يتوانون عن وصفه بأقذع الألفاظ، منتقدين منطقه وأخطاءه في التحليل وأسلوبه “كمان”!!
إنه اللواء فايز الدويري، الذي عمّت شهرته متابعي أخبار غـ.ز.ة خصوصاً عبر قناة الجزيرة القطرية، قبل أن يفور التنور مستبقاً للطوفان المبارك..
تفوّقت نجومية الرجل على ما عداه من ضيوف، فتوسّعت جماهيريته، وبات الناس ينتظرون إطلالاته بالبدلة الرسمية، وكرافاتاته وصوته الأجش وحتى سعاله الذي لا يخنق صوته، فيقح منظفاً حنجرته بـ “سعلة” جارفة تمزق الميكروفون، ويتابع.. وعبارة “يُعْنِي” التي يتميّز بها وهي لغوياً لا معنى لها.. ربما لم يملك أحدٌ من “زملائه” في القناة الجرأةَ على تصحيحها له..
محلّل عسكري واستراتيجي كما يعرّفون عنه..
هو جنرال متقاعد، له خبرته في بعض الميادين الكلاسيكية تلك التي توصف بـ “من داخل الصندوق”، في النص أدناه نبذة عن مشاركاته الحربية!!
اللواء الدويري، جنرال غاية في الصراحة، إذ قال أكثر من مرة مبرّراً عدم صوابية تحليله أنه ممن يفكرون من داخل الصندوق، أي أتباع المدرسة التقليدية، بينما رجال الله في الميدان يخططون وينفذون من خارج كلاسيكيات الحروب..
تنامت شهرة الدويري مع الحرب على غ.ز.ة.. في الفترة الأولى منها، شدّ اهتمام بعض الجمهور الى إطلالته وتحليلاته، قمّة الحماسة له كانت عندما صرخ أحد المقا.ومين “حلل يا دويري”، بعد أن نفّذ عملية بطولية من المسافة صفر..
نشوة ما بعدها نشوة، ومفخرة عظيمة شعر بهما الجنرال الدويري لقد رُفِعَ اسمه بمرتبة شرف كرّمه الشـ.هيـ.د مهند جبريل الذي أعلن منذ أيام قليلة عن ارتقائه..
وبين مواجهة وأخرى، أصبح اللواء فايز الدويري نجماً تلفزيونياً من باب التحليل العسكري والاستراتيجي..
للاطلاع على تاريخ الرجل لا بدّ من جمع بعض المعلومات.. ويكيبيديا التي تعلن صراحة موقفها المتضامن مع القضية الفلسطـ.طينية (عبر وشاح العلم الفلسـ,طيني الذي زيّنت به شعارها كما نشرت دعماً واضحاً لا لبس فيه للشعب الذي يعاني وقضيته المحقة).
أفردت ويكيبيديا إذن صفحة كاملة للتعريف بالدويري، من ولادته في إربد بالأردن (1952) ونشأته ودراسته وانضمامه الى السلاح الملكي الأردني، وطبعاً مع ذكر حضوره “الخاص” (هذه من عندنا) على الجزيرة، أما في “الميدان”، فله ما تذكره ويكيبيديا ومنها الاقتباس التالي:
انضم إلى كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية مدة عام، ثم ابتعثته القيادة العامة إلى الباكستان للمشاركة في دورة دوليَّة في كلية القيادة والأركان الباكستانية عمل بعد عودته مدرسًا في كلية القيادة والأركان لمدة 4 سنوات، كما تولى قيادة كتيبة للجيش الأردني خلال حرب الخليج الثانية تولى بعدها منصب مدير سلاح الهندسة الملكي الأردني، حتى أصبح أخيرًا آمرًا لكلية القيادة والأركان الأردنيَّة برتبة لواء، ومن ثم أحيل إلى التقاعد. انضم بعدها إلى الجامعة الأردنية، حيث حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة التربية، وكان عنوان أطروحته «دور الجامعات الرسمية في تعزيز مفهوم الأمن الوطني». عمل محاضراً لمدة عامين في الجامعة الأردنية.
انتهى الاقتباس.
ونسأل بعد متابعة شبه يومية لإطلالاته: ما الذي يقدّمه الدويري؟ هل هو تحليل عسكري واستراتيجي.. حقاً؟ أم مجرّد شرح لما يراه في فيديوهات العمليات العسكرية التي يواجه بها المقـ.ا.مون باللحم الحي قوات مدجّجة بتأييد الغرب وأحبابهم من العرب، مع ترسانة تسليح لا مثيل لها؟
هل قوله:
– والآن نرى دبابة.. هذه عبوة شواظ.. هذا مقـiتل يحمل تي بي جي.. هنا يحرج من بين الركام
الآن يدخل هذا مبنى.. الهدف واضح.. هل يعتبر من ضمن التحليل العسكري والاستراتيجي؟
بعبارة أخرى أكثر وضوحاً: هل أصبح التحليل العسكري والاستراتيجي مجردَ شرحٍ لفيديو يُعرض على الشاشة أو خريطة، فيصف المحلّل العسكري والاستراتيجي ما يراه ويفصّل عناصره المرئية؟
مجرّد سؤال.. سؤال مشروع..
وإذا كانت كلمة السرّ- أولاً وآخراً- للميدان وحده.. ألا يجب أن تكون التحليلات العسكرية والاستراتيجية على هذا المستوى؟ سؤال آخر مشروع.. لا؟!