بين “ثورة” وحراك..

ماذا انتجت الاحتجاجات الشعبية المستمرة من مساء الخميس 17 تشرين الأول الحالي؟

المطالب مزمنة، من عمر الوجع والفساد اللبناني، من دون شك، والبلد يحتاج إلى إصلاحات جذرية وحقيقية.. وهذا ما يريده الناس الطيبون

متأخر الحديث عن ملامة وعتب على الناس الذين احتملوا كل هذه الفترة من السوس الذي نخر عظم الدولة حتى الهريان..

لا لزوم للحكي عن متنفّعي المراحل، قنّاصي الفرص، فهذا يفتح ملفات كبرى وصغرى وما بينهما، ممن يركبون الموجات، أي موجات.. في الإعلام، كما في الفن، كما في السياسة، كما في الـ “ضرّاب” السخن.. عادي..

وعادي أيضاً أن تفرز ناس مع وناس ضدّ..

لكن نسأل.. ويحق السؤال.. لِمَ جرى الانتظار حتى الخميس 17 تشرين الأول 2019؟

بلغ السيل الزبى؟ زُبى ضاق خلقها من السيل.. إنما ليس الآن وقت الحديث في زُبى والسيل والتوقيت..

لكن من غير العادي أن نلاحظ ما يلي، مما ينطبق عليهم وعليهن المثل القائل: اللي استحوا ماتوا.. مع إضافة وشبعوا موت”..

مجموعة مشاهد سوريالية بكل معنى الكلمة، شيء خارق للمألوف، كله جرى رصده في التحركات:

“نجومية إعلامية قائمة على النفعية” قالها هذا الصباح الباحث د. وسيم بزي في حديثه عبر إذاعة النور.. وللمناسبة، فإن صوراً- مشاهد “مؤلمة” تداولها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لـ”شخصيات” إعلامية، وتبدو فيها حليفة سلطة تشارك في الثورة ضدّها، هي ما يجب الغضب منها.. هذا الفجور ما تعريفه؟!!

أعرف- كما تعرفون- عن كاتبة نجمة اليوم، ممثلة كوميدية هزلية بالأمس، أنها لا تدفع مستحقات الكومبارس العاملين معها، في اعمالها الدرامية، نزلت وتظاهرت ضد الفساد والفاسدين وآكلي حقوق الناس..

أعرف- كما تعرفون- إعلامياً بحجم “ستار” ينادي اليوم بالثورة على الحكام الظالمين، وهو صديق لمعظمهم، (الطبقة السياسية إياها) يبخّر لهم حيثما حلّ.. هبّ مع _ الثوار_ والتقط اللحظة؟

أعرف – كما تعرفون- شخصية باتت محصّنة، لكن بعد أن عربشت على تدريب مشاهير، صادقتهم، غدرت بأهمهم، في عزّ ضيقته.. وتحكي بالنزاهة وشؤون الناس!!

أعرف- كما تعرفون- شخصية سياسية، نصاب التسعينيات، مهندس النهب من جيوب الناس، مسح بصاق الناس عن وجهه، وحمل شمسية.. ثم دعا للاستمرار بالتحركات والتظاهرات والاحتجاجات..

أعرف كما تعرفون- مغنية وقفت أمام ملك “طبل” ذات حراك شعبي في بلده، (لا يزال الحراك مستمراً حتى اليوم)، ضد قمعه وظلمه وجشعه الذي لا يستكين، ولم يرفّ لها جفن أما عذابات هؤلاء الناس.. “بلت” يدها هي الأخرى الأخرى، (لا خطأ في تكرار الكلمة السابقة بل فرق في الهمزة بين فتح وضمّ) في تشجيع المتظاهرين!!

الأمثلة كثيرة، منها الموجع ومنها المقرف..

وفي الساحات، مشاهد مجيدة، لشعب لم يعد بإمكانه احتمال الاستغباء من قبل مسؤولين ضحكوا على ذقنه، ومدوا أيديهم القذرة على جيوبه وقوت أبنائه.. وفي الساحات أيضاً كذابون، منافقون، مقرفون، في وجودهم شخصياً أو بالواسطة.. وعلى مفارق الطرق قطّاعها الزعران..

كتابات وشعارات على بابَي جامع محمد الأمين وكنيسة مارجريس (لعيون الوحدة الإسلامية المسيحية) بالخط الأسود العريض.. مظاهر بعيدة كل البعد عن أصل سبب لحراك وأساسه..

ولعل الأكثر أهمية هو الشرخ الحقيقي الذي صنعته تطورات الأيام الأخيرة في العلاقات بين الناس.. اشتغلت الغربلة بين “الأصدقاء” الأقربين على مواقع التواصل الاجتماعي: delete- block- unfriend.. ردات فعلية طبيعية (!) في وضع غير طبيعي..

قاعدة الرأي والرأي الآخر لم تعد واضحة، ولا بأس من الاعتراف بأن العلاقات بين كثيرين راحت إلى “كركبة”، أول أسباب الكركبة، هو الاختلاف على التسمية.. ثورة/ حراك/ انتفاضة/ احتجاجات، تليها زاوية وجهة النظر..

البعض لا يقبل أنك مع الحراك، لمجرد أنك لا تشتم من يريد هو.. (ههههه)

البعض لا يقبل أن تستنكر إغلاق الطرقات..

البعض صدّق نفسه رغم عاره.. أنه ثوري!!!

كلنا فاسد، بالتأكيد، لأسباب عدة.. منها أننا:

حين رمينا سيجارة من شباك السيارة.. كنا فاسدين،

حين سمحنا بتلويث البحر وطنّشنا.. كنا فاسدين،

حين دفعنا رشوة لإنجاز معاملة، كنا فاسدين،

حين انتخبنا تبعاً لهوى مذهبي.. كنا فاسدين،

حين سمحنا لموكب “زعيم” أن يتجاوزنا ونحن نعبر إلى أشغالنا، دون أن نمسكه من شعره، رغماً عن المرافقين، ونرميه في أقرب مستوعب للنفايات، كنا فاسدين،

حين سكتنا على ظلم.. كنا فاسدين،

حين لم نتقدّم بشكوى قضائية ضد من أكل حقنا، مهما صغر حجمه، كنا فاسدين،

حين لم نتأكد من معلومة قبل الترويج لها.. كنا فاسدين،

حين لم نعترض على سياسات خاطئة نهبت المال، وشحنت طائفياً، كنا فاسدين،

حين لم نشجع على احترام العدالة والقضاء، كنا فاسدين،

حين صدقنا أنه لا يمكننا أن نكون حضاريين نعيش اختلافاً لا خلافاً قاتولياً، كنا فاسدين،

حين سمحنا لبعض المساطيل أن يحرفوا اتجاه البوصلة.. ولم نسمح لعقلنا أن يشتغل.

هو فساد متراكم.. لسنا دوماً ضحايا..

الكل يريد أن يغيّر العالم لكن لا أحد يفكّر في تغيير نفسه..

على فكرة.. في الإعلام.. ثمة حديث آخر، قريباً..

حنان..

التعليقات