د. جود أبو صوّان: نحن أبناء الأمر الإلهي.. وكل ما هو دون الله قابل للنقاش- الحلقة 2

 لطلب كتاب “ما بين الشك واليقين، يمكن الاتصال على  الرقم: 71600283

 ونتابع في هذه الحلقة الحوار الخاص مع شخصية فكرية استثنائية، د. جود أبو صوّان.. المشغول منذ تفتّح الوعي، على البحث عن الحقيقة، خارج الخرافة والمعتقدات التي تتناقلها “الكتلة”بعيداً عن التدقيق..

في هذا الجزء من الحوار المطوّل الذي لا يملّ منه، شاركت الإعلامية هلا حداد في عدد من أسئلة جريئة، تخاطب الروح الثائرة فيها، انطلاقاً من إيمان متين عنده..

لا يموت أمر الله.. هو يتحوّل؟ تحصل عملية metamorphose؟

“ما بتعرفي”.. لكل من يعتقدون بالتقمص أو من يدّعونه، أقول نحن أبناء الأمر الإلهي والأمر الإلهي لا يفنى.

صحيح .. لكن ليس بناءً على نظريات لمتثبت، بل من تحدّث في التقمّص، كان ذلك عن خبرات عاشها هو أو عايشها في محيطه، ودعم بإثباتات.. ألا توافق؟

اسمعي، قدّمت محاضرة في منطقة راشيّا وهي منطقة درزية، وقلت فيها إنني كأستاذ علم نفس مورفولوجي، يمكنني تهيئة أجيال أجيال من المتقمّصين..

لأن الأمر يتعلّق بالدماغ تقصد؟

لا.. بل لأن الأم إذا أرادت أن تهيء لطفل متقمّص، ابتداءً من الأسبوع الـ 12.. تبدأ الخليّة العصبيّة عند الجنين بالتسجيل.. تسجّل المعلومات التي تنقلها إليه أمه في فكرها وحركتها، يعني أنها تفكر في أن اسمه محمود مثلاً، أو جوزيف، وأنه يعيش في القرية الفلانية، أمام بيته كانت هناك شجرة مواصفاتها كذا، أمام البيت هناك فرس وهي عرجاء.. أقصد أنه بإمكانها أن تلقنه حياة أحد المتوفين، هذا التلقين يبقى من الأسبوع الثاني عشر من الحياة الجنينية حتى الـ3 سنوات ونصف من عمر طفولته.

تقصد أن المعلومات كلها تنتقل إلى اللاوعي عند الطفل؟!

نعم، ومن اللاوعي الى الوعي تنتقل تلك المعلومات، و”يتذكّر”.. ثم يقال إنه متقمّص. وما هي إلا عملية إعداد من المرحلة الجنينية.

ألم يحدّث في المسألة فلاسفة يونانيون؟

بلى.. لكن لم يكن علم النفس متطوّراً كما هو اليوم.. بإمكان الأم التي تحب الفيزياء، أن تعدّ جنينها لأن يكون عالم فيزياء، أمّا إذا لم يكن مقدّراً وهي تريد ذلك، لكنها لا تعرف بالفيزياء.. لن يكون فيزيائياً، لاحظتِ التقدير؟. خالق هذه الأكوان لم يخلق جيلاً واحداً، منذ الأزل وإلى الأبد، عند الله لا أزل لا أبد.

الزمن مختلف.. البُعد الزمني..

(مقاطعاً) “ما فيه”.. الزمن والمكان هما مقاسان إنسانيّان..

إممم..

لا مقاسات للزمن عند الله ولا للمكان.. ما عندو مكان.. ما عندو زمان.. الزمن، الوقت، والمسافة هي لإنجاز عمل وتوقيته.. هي أشياء بشريّة دنيويّة.

جود أبو صوّان ما بين الشكّ واليقين إسم “ينقّز”.

لا. كي نصل الى اليقين يجب أن نشكّك أولاً. هناك يقين عقلي ويقين عاطفي إيماني.. اليقين العاطفي الإيماني متبدّل.. متبدّل لأنه قد يأتي أحد ويقنعك، أمّا العقلي فهو ثابت في التجربة، التكرار وبالمنطق.. ما هيك! أنا نشأت في بيت أهلي وهم من المؤمنين، وكان أبي يريدنا عندما نجتمع على الغداء، أن نصلّي. أرسلني من عكار في الشمال، إلى صغبين كي أتعلّم في مدرسة للبروتستنات.. وهذه ذكرتها في مقدمة الكتاب، كان جدّي لأبي متشدّداً ومن غلاة البروتستانت، أجبرني على حفظ التوراة وأنا ابن 11 سنة.

البروتستانت التي تدعو الى علاقة مباشرة مع الله دون وسطاء؟

لا لا، بل هي إحدى الشيع التي انشقّت عن الكنيسة الكاثوليكيّة بتشجيع من اليهود، لإثبات التوراة ضمن الكتب المقدّسة. في كتابي عرضت أسماء الفلاسفة اليهود الذين علموا على ذلك، مارتن لوثر، وكالفن، وكليفت، وغيرهم.. من علمّوهم الانشقاق، ومن كتبوا مع مارتن لوثر كينغ المنشور الإحتجاجي الذي ألصقوه على كنيسة أوكزبورغ.. أنا أسميتهم، ولا أحد يعرفهم، ووضعت التواريخ..

لنعد إلى حفظك للتوراة..

نعم، حفظتها صغيراً جداً وحين كبرت بدأت أسأل: كيف لهذا الله أن يعلم السرقة لفلان، والقتل لآخر،  هل التوراة كتاب دين أم كتاب مملوء بالجرائم؟

معك حق.. يبدو كتاباً دموياً..

رفضت المعلومات في فكري.. وصرت إبحث كي أصل للإيمان الحقيقي، بقي هذا الفكر يعذّبني من سن الـ 12 حتى سن الـ40 سنة حتّى كتابي “القراءات الملعونة”..

كتاب غاية في الجرأة..

إيه.. وكتابي”القراءات الملعونة” ولّد “ما بين الشكّ واليقين”..

لكنه مؤثر جداً في آخره.. حين تتوجه إلى السيد المسيح بخطاب جدّ مؤثر، لقد أبكاني..

“القراءات الملعونة”؟؟!!

نعم..

“لاء ما ببكّي.. هو يعطيكِ الإيمان بخالقك.. أنا لم أتوجّه ليسوع كـ إله.. كمعلّم..

صحيح.. كمعلّم ..

في كتابي هذا (ما بين الشك واليقين) تعمّقت أكثر.. الله وضع قوانين وقوانينه ثابتة لا تتغيّر لأنّه كامل.. حسناً.. الله الذي وضع قانون أن تحمل المرأة من رجل، كيف لغيره أن يقول إن المرأة تحمل من روح قدس؟

هل تنسف ما عمره أكثر من 2000 عام؟

هذه خرافة.. أخذتها المسيحية ممن قبلها.. أُخذت من قصّة الإله الهندي كريشنا .. كريشنا حملت به أمّه من روح قدس!! زردشت كذلك.. وراما وأفلاطون..

طيّب هذا الفكر “الأسطوري” من أين جاء.. من مكانٍ ما؟!!

من عالم الإنسان، لإعطاء الفوقيّة للمعلّم في أنه يولد “غير شكل ويموت غير شكل وبيطلع عالسما”، بينما الإنسان العادي يولد بشكل عادي، من إمرأة عادية وسط مخاض وعذاب وغير ذلك، ليعيش حياة عاديّة ويموت ولا يصعد إلى السماء.. الله يغيّر قانونه أنّها تحبل من روح قدس؟؟ هل الروح القدس زانٍ!!

لا.. لكن هذا أمر الله للروح القدس هي إرادته.. أقبل أرادته بخلق الكون وموجوداته.. ألم يخلق بعض المخلوقات ثناية الجنس، كالحلزون مثلاً؟

لا لا.. الأمر مختلف.. لم يأتِ بحلزون يحبل من روح قدس.. بل تلقيح ذكر لأنثى. الله كامل، قانونه كامل ولا يغيّر قوانينه. التغيير يعني حصول خطأ في الأوّل في الخلق ..

بل حريّة في مقدرة..

“الله ما عندو حريّة وما حريّة”..

ماذا عرّفنا؟!!

“لاء.. إذا ما عرفتي انتهى البحث”.

إمممم..

هل تؤمنين إنّ الله هو الكل الكامل، لا خير ولا شرّ؟ هو هالثنائيّة.. لا خير ولا شرّ.. في كتابي وضعت الجملة التالية: “كيف يحاكم الإنسان أمام قاضٍ لا يعرف الخير من الشرّ”..  وفي ذلك فرضية.. لكن ما لا يجوز، أن الكامل يضع قانوناً ثم يغيّره، غيّره يعني صحّح، ومن يصحّح يخطىء، ومن يخطىء لم يعد كاملاً..

ألا نقبل فرضيّة أنه هو لا يصحّح بل يعطي العبرة؟؟

أبداً لا يغيّر، هل غيّر شيئاً في هذا الكون؟

في بالكون؟ المادّي؟ لا.

لم يتغيّر شيء في الكون.. أنا ضدّ نظرية داروين (الترقي أو التطوّر في السمات الوراثية للكائنات)..

بدأ العلم يثبت ضعفها على أي حال..

أنا ضدّها.. الكمال صدر عن الخالق مرّة وحدة وإلى الأبد.. “البرغشة خلقت برغشة لتلعب دور البرغشة”.. والذبابة خلقت ذبابة لتلعب دور الذبابة.. وإلى آخره.. طيب ما الذي يدعو للتعجّب إذا حملت امرأة عادية وأنجبت طفلاً “طلع رجل عظيم كتير”؟ ما الذي يمنع؟ إذا كان مخلوقاً بأمر إلهي؟ بالمقابل، أليست العظمة في إنسان “مخلوق عادي” وصار عظيماً، بأمر مُهيّء للأم كي تنجب هذا الولد العظيم؟ أليست هنا العظَمة؟

لا تنفي العظَمة عن السيّد المسيح ؟

كمعلّم عظيم.

كمعلّم؟! لكن تنفيها كجزء من الثالوث المقدّس؟!

لا أنفيها بالكامل .. قلت إنه لا يجوز أنه إذا كان هو إبن الله.. فالوالد كان ابن لغيره من الآلهة.. وهو بدوره سيكون أبّ لإله آخر..

هل هذا ضروري؟ مرّة واحدة تحصل كإستثناء ..

“ما بصير!!! أب يخلق لحالو بدون أب وأمّ”..

عند الله بيصير ..

الله هو خالق الأكوان.. لا له مذكّر ولا مؤنّث.. هو صمد لم يلد ولم يولد..

لم يلد ولم يولد هي من نصّ قرآني..

لا.. كانت قبلاً نصّاً مسيحياً نصرانياً.. المسيحيون النصارى، يؤمنون برسالة يسوع وليس بألوهيّته أو ببنوّته لله..

المسيحيون الأوائل؟؟

بل النصارى.. فرق ما بين المسيحيين والنصارى.. المسيحيون هم من يؤمنون بالثالوث.. في القرآن جاء: “لتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى* ذلك أن بينهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون*”. النبي محمد ألم تكن زوجته نصرانية؟ أولى نسائه، تزوّجها زواجاً  نصرانياً، ولم يتزوّج عليها إلا بعد أن ماتت.. أعمامها من كانوا؟أحدهم كان بطريركاً في مكة واسمه عثمان، وورقة بن نوفل أحد مرشدي الرسول كان ابن أحد عمومتها.  ثم أن أسماء خديجة وعثمان وعمر وعلي.. كلّها أسماء نصرانيّة تخلّى عنها المسيحيّون واستأثر بها المسلمون..

السؤال للزميلة هلا حدّاد.. تفضّلي ..

هلا: حين كنت تتحدّث عن المولود بلا أب.. آدم كيف أتى إلى هذه الدنيا؟

هذه قصة أخرى..

هلا: طيبّ من هو أوّل البشريّة؟

لا أحد يعرف.. حين نعرف أول الخلق نتعرف إلى الخالق، فالبداية مربوطة بخالق.. قصّة حوّاء وآدم قصّة توراتيّة خرافيّة.. حسب التوراة عمر الخلق نحو 7500 سنة، وقد أثبت العلم أن عمره بالملايين بل مليارات السنين.. انتهت القصة.. لاحظي كيف بدأت وفق الرواية التوراتية:  “وكانت الأرض خربة..” يعني قبل الخلق كانت هناك أرض، من أوجدها؟.. من خلقها؟ في كتابي ناقشت ذلك علمياً.. بالنسبة لي كل ما هو دون الله قابل للنقاش.. كلّ ما دون الله..

هلا: ألا تخاف؟ من ردّة فعل كنسيّة أو دينيّة؟

ماذا يفعلون؟ “بدّن يعملولي حرمان؟” ويتهمونني أنني لست مسيحياً؟ ما أنا عارف حالي”..

هلا: وعائلتك؟ هل يحملون أفكارك؟

لهم الخيار في أن يفكروا مثلي أو لا هم أحرار في إيمانهم. إيماني ذاتي ولا أفرضه على أولادي أو أي أحد.

إيمانٌ ذاتي نتج عن أسئلة وعن أبحاث..

أسئلة وأبحاث.. قلت لكِ، كنت في الثانية عشرة من عمري أملأ وقتي بالقراءة ورفاقي من هم في سني وأكبر، كارلوس خوري، نبيل غانم، يقولون: “ليكو جود شو عم يقرأ”. اليوم أقول ربما ربي أعطاني ما أصفه بالنعمة، أن أعرفه من دون واسطة..

من دون واسطة؟

من دون واسطة كتاب ديني.. ولا شيء آخر.. صرت أحب هذا الإله وكل ما يأتي منه ومعه، وأقول له: لتكن مشيئتك”.

لست داعية إلى الله بالمعنى التقليدي، أنت تدعو إلى أن أن يفكّر الناس بالله وليطرحوا الأسئلة..

(يتوجه إلى الزميلة هلا: كان التفكير يعذّبني.. تسألين عن رجال الدين؟! ويكرّر): “شو بدّن يعملوا.. يصدروا حرمان إنّو أنا مش مسيحي.. أنا عارف حالي.. بالنسبة لي، يسوع هو مرشدي الأعلى أخلاقيّاً وإجتماعيّاً.. محمّد مرشدي الأعلى إجتماعيّاً.. علي مرشدي الأعلى إجتماعيّاً.. شوبينهاور (آرثر شوبنهاور/ فيلسوف ألماني) كذلك.. كلّ هؤلاء رموز ومُثُل بالنسبة لي.

لأنّهم عملوا صالحاً.. ودعوا الناس لذلك..

لأنّهم دعوا للتوازن الكوني بالصلاح.. علّموا الصلاح للإنسانيّة ليتوازنوا مع عمّال الشرّ.

حسناً.. لماذا إذن حصلت حروب صليبية وغزوات إسلاميّة، بالسيف وبالذبح والدم؟

على راسي.. لكن هذه الأديان لم تنجح بإزالة الشرّ..

يتبع..

التعليقات