ما إن راجت “صفة”، لقب، إعلامي- إعلامية (منتصف تسعينيات القرن الماضي) حتى تكمّش بها كلّ من هبّ ودبّ من المشتغلين في المهنة الأحلى.. ممن يليق بهم دخول بلاط صاحبة الجلالة ومَن لا..
صار “الإعلامي” يتعاطى مع ذاته، كأنه صاحب رتبة أو ينتمي إلى طبقة مختلفة عن باقي خلق الله، وليس على أساس أنه صاحب مهنة هي الأنقى والأصدق والأصعب..
كتبت: حنان فضل الله
هي مهنة المتاعب صحّ.. وعرق الرزق الحلال..
مهنة البحث عن الكلمة والنص المتعوب عليه، صياغة، وتحريراً ولغة سليمة، وفكرة نبيلة وتصحيحاً ثم تصحيحاً، احتراماً لعقل المتلقّي، هي الجمع لا التقسيم.. المشاكسة المؤدّبة لا الاستعراض المنفر..
هي الندّية لا النكائية، هي الصوت السليم، لا الصراخ ولا الهمهمة ولا الوأوأة ولا الزيزيقة ولا الفحيح.. هي الأداء الأسلم، واللياقة في الحضور التلفزيوني، وانعكاس كل ذلك في الحضور الإذاعي..
هي الإضاءة على “توك” بهدف إصلاحه، في المجتع، في السياسة، في الفن.. في كل شيء يحيط بنا ونعيشه…
لكن الإعلام اليوم ليس هذا، ولا ذاك.. في معظمه.. لقد أصبح إعلام العاهات بلا منازع، لا جدال في ذلك ولا نقاش..
والعاهة هنا ليست “خلقة الله” كي نتقبلها -كمتابعين- رغم عيوننا- إنما هي من صنع الإعلامي بعينه، وصوته، وادائه و.. عناده على “الترفّع عن انتقاد نفسه، من باب التطوير أقلّه.
في إعلام العاهات لائحة تطول على رأسها متلازمة الثقة المفرطة بالنفس ومن عوارضه: أن يفرض كل عاهاته السلوكية واللغوية وعقد الظهور وعيوبه اللفظية والصوتية والشخصانية على الجميع.. والمتلازمة تعريفاً هي:
علامات وأعراض طبية مرتبطة بمرض أو باضطراب ما معين.
الكلمة يونانية (سيندرومون) وتعني تزامن.. ترتبط غالباً بالمرض أو السبب، حتى أصبحت كلمة متلازمة، مرض، اضطراب تُستخدم بالتبادل، وتحديداً المتلازمات الموروثة: ىمتلازمة داون (ما كان يعرف سابقاً وظلماً وعن قلة وعي وعلم وإدراك بالمنغولي لشبه المريض بناس منغوليا).. متلازمة اندرسون (ومن علاماتها الظاهرة: قامة قصيرة، فك صغير، عيون مفرطة في التباعد، جبهة واسعة، فكّ جاحظ)
ومتلازمة وولف- هيرشيرون: ومن أعراضها: صغر حجم الرأس، التخلف الفكري، الصرع، الأصابع طويلة ونحيفة، زيادة عدد الخطوط في الأصابع ووجود أصبع زائد – خاصة الإبهام، تباعد حلمتي الصدر، عيوب في العمود الفقري وفروة الرأس والأنف المفلطح.. وغيرها من المتلازمات وأعراضا.. وهكذا..
في الإعلام متلازمات أخرى، تظهر على “الإعلامي” والإعلامية” فور تصديقه لنفسه أنه بات مرجعية، وصاحب منبر ورأي وتحليل ومقدّمة، وما أكثر من “فقّستهم المرحلة الإعلامية الزفت الراهنة..
على فكرة.. هناك إعلاميون وإعلاميات- بلا زغرة بقراء هذه المقالة.. لا يزالون مستمرين منذ عقود.. ويبدو أن ورم “الأنا” الخبيث، زاد وتورّم واستوطن تلك الشخصيات حتى باتت بغيضة..
في رحلة استماع ومشاهدة من “..” الضوّ حتى يحين موعد النوم.. ترافقك المحطات الإذاعية والتلفزيونات، مع “جيش” من الإعلاميين ممّن فقّسوا من دون حاضور ولا دستور.. وصاروا أموراً واقعة.. نسبة لسلطات الأمر الواقع.. هم أشبه بميليشيا في حزب سيء السمعة والصيت، يمارسون تشبيحاً مرئياً ومسموعاً على الجماهير، جماهير كل المحطات..
هنا بعضٌ من رحلة العذاب تلك، من أول الأسبوع، حتى آخره..
منذ الإثنين.. قراءة صباحية لأقوال الصحف، خشخشة أوراق الصحف التي تختار منها المذيعة التي استيقظت رغماً عنها، مع صوت جرّحته “الفيقة بكير”.. إحداهن، ملكة في اتقان اللغة السليمة، نادراً ما تخطىء، تتميّز بصوت جميل وبتأدية سليمة لكل نًفًسٍ.. إلاّ أن “خشخشة” الجرائد بين يديها، وعلى مقربة من ميكروفونها، تخرّب التركيز.. إضافة إلى فيض ريقها الذي تضطر لابتلاعه بين فقرة وأخرى.. تضيق ذرعاً بالـخشخشة وبالريق معاً فتنتقل إلى إذاعة حبيبة.. فيصبّحك المذيع السعيد، ومثله زميلته، بحضوره وحضورها بـ: صباح الخير مستمعينا، مستمعينا نستعرض وإياكم فقرة كذا يا مستمعينا.. مستمعينا، مستمعينا يكرّرها.. وهل يتابع الإذاعة إلا المستمعون؟
ثمة مذيعة عند الثامنة والنصف على إذاعة رصينة، وهي- المذيعة المفترض بها رصينة وعريقة، إلا.. إلا من قدرتها على منع نفسها من ابتلاع آخر حروف والهمس بها بطريقة يغيب معها معنى الكلمة نهائياً.. فيروح الخبر وفهمه بـ “عزا” الفحّة.
.. وعند العاشرة، من الإثنين حتى الجمعة، موعد مع لقاء سياسي، تديره وتعده مذيعة باتت لشدّة “خبرتها” تقرأ أفكار الضيف وتسكن سقف حلقه.. تقاطع، تبادر الى الرد حتى قبل أن يفتح فمه ليجيب.. تسابق الزمن وكأنها لا تريد أن تفوّت ثانية واحدة من الوقت المتاح لها.. هي تبدأ وهي تختم، ثم وفي اقتباس اعترفت به ذات مرة من أسلوب السيدة ماغي فرح وهي في عزّ تألقها الإعلامين تلخّص ما قاله الضيف، بسرعة قياسية: تلخص أفكاره، بنًفًسِ متسارع، كي لا تلفت منها ولا تكّة، وبالكاد تفهم عليها من شدة الثرثرة: مختصر مشوارها الإعلامي: الهواء لي.. تسأل سؤالها وتضع احتمالات الإجابة.. إن استشهد بكاتب، سمّعت كتبه كلها ومضمون ما بين الدفّة والدّفة.. إن ذكر اسم دولة، تُسلسل تاريخها وشخصياتها، والمؤتمرات التي عُقدت فيها.. هي خزّان معلومات، لكن من يحتاج هذا الكم منه في كل إجابة وعند كل استطراد.. يا الله كم تستطرد وتقاطع وكم تجهل من أدب الإصغاء والحوار.. أليس هذا لزوم ما لا يلزم؟ ألا يخرّب كل هذا العبث الثرثري علاقتنا بها كمذيعة رصينة؟ بلى:.. والحلّ بالتقليل من الاستماع إليها أو تحمّل تكمّشها بالهواء كرمى لأفكار الضيف الذي طل معها..
هذه الإذاعية الشهيرة، لا تنافسها إلا كارثة يوم الأحد.. هي لوحدها حالة.. بالعة راديو؟!! قل ومع الراديو ضيفًها..
وأيضاً هل نحكي عن المقدمات التي يصر معظم الإعلاميين على “بظّها” مع مطلع كل برنامج وحلقة واستضافة؟
ألست كمستمع، تفترض أن العمل الإذاعي موجّه لك.. أنت العزيز المستمع، أو الصديق المستمع.. أو أو صفة يطلقها “الإذاعيون” عليك.. تشعر أنك “مبلوف”.. ففي عزّ الحرقة التي تعيشها تحتاج لهدوء هدوء هدوء، تواضع، فكر حرّ، خبر أكثر، تحليل ممجوج أقلّ.. معلومة مفيدة، والقليل القليل القليل من التشاوف..
لذا وبكل بساطة.. تقرر أن تنتقل إلى إذاعة أخرى تحترم سمعك وعقلك وفكرك ومعلوماتك وصبرك..
في الاعلام المرئي.. المشكلة كبيرة أيضاً.. كثرت الوجوه والحضورات.. ولكل محطة “نجومها” ونجماتها”.. هؤلاء نموذجان فاقعان عن مذيعتين –لا وضعهما مدير برامج سياسية في ديار أحد- إحداهما تملك صوت منشار، زيزقة بوابة من دون تزييت.. فيه حنجرتها نشاز لا مثيل له.. علماً أنه في علم الصوت، يمكن لها أن تلجأ إلى طبقة أخرى، تداري فيها عاهتها الصوتية، صوتها الرفيع النشازززز.. مزعج لدرجة يمكن أن تضحي فيها بانتظارك لضيف سياسي، رحمة بأذنيك وتوازنك النفسي الذي يضطرب، بعد دقائق قلي#رياض شرارةلة من طلتها الـ بهية..أما في “تكنيك” حواراتها، فهي تشارع ولا تحاور.. ماشي الحال!! بالتأكيد لا!!
مذيعة أخرى، أسبوعية الموعد، تحاور في السياسة!! أيضاً وأيضاً.. إلا أن طلتها البهية هي الأخرى لا تكتمل إن لم تكن أمضت أسبوعاً كاملاً، يسبق الإطلاقلة، في الـ SPA، ولدى مزين الشعر والماكيوور، والمانيكوريست، أما تحضير الملف؟ فـ لشو؟ ألا يكفيأنها قالت لضيفها مرة مستغربة مستهجنة!! Ouuuups!!!
عودة إلى المتلازمات..
في علم النفس مثلاً ثمة متلازمات عديدة ذكرها المختصون، حلّلوها، درسوها ونظّروا فيها: المتلازمة الوهنية، ومتلازمة الوسواس القهري، والمتلازمات الانفعالية (على سبيل المثال، المتلازمة الهوسية والمتلازمة الاكتئابية)، ومتلازمة وهم كوتارد، والمتلازمة الجامودية، والمتلازمة الفَنَدية، والمتلازمات الوُهامية والهلسية (مثل المتلازمة الزورانية، والمتلازمة الزورانية الهلسية، ومتلازمة كاندينسكي كليرامبو المعروفة أيضًا باسم متلازمة التلقائية النفسية، والهُلاس)، والمتلازمة الازورارية، ومتلازمات الاعتلال النفسي (تشمل كل اضطرابات الشخصية)، ومتلازمات ضبابية الوعي (مثل تغيم الوعي الشفقي، والمتلازمة الهَبَلية المعروفة أيضًا باسم الهبل، والمتلازمة الهذيانية، ومتلازمة الوعي المشدوه، ومتلازمة شبيه الحلم)، والمتلازمة الهستيرية، والمتلازمة العصابية، ومتلازمة كورساكوف، ومتلازمة المُراق (توهم المرض)، والمتلازمة الزّورية، ومتلازمة الاعتلال الحسي، ومتلازمة الاعتلال الدماغي.
هي متلازمات درسها علم النفس إذن، وفصّل فيها، في محاولات لحلحة الحالات المرضية قبل أن تستفحل وتصبح أمراضاً مستحكمة.. لكن متلازمات إعلاميينا.. من يا ترى يمكنه أن يفهمهم ويفهمها ويفهم إصرارهم على الالتصاق بها؟!
متلازمة: أوبرا وينفري للسيدات.. فهنّ يعتقدن أنهنّ وصلن إلى “مواصيل” أوبرا!!!
متلازمة لاري كينغ للسادة.. فهم يحاولون الوصول الى سمعته العريقة ولا.. ولن..
متلازمة الـ أ أ أ أ أ أ أ.. وقفات ووأوآت غير مبرّرة.. ومتلازمة إذا بدّك.. تكرّرها المذيعة التي تشارع (لا تحاور) وهي تزيزق، (ما غيرها)، على سبيل “محط كلام”..
متلازمة أنا بقول، أنا بعتبر، برأي الشخصي، بدي إسأل سؤال ووصلت الفكرة وشكراً جزيلاً لك!! (!!!!!).. هذه مكّررات تتسبّب بالجلطة..
ما هذه الثقة المفرطة بالنفس؟ ألا يجب إجراء نقد ذاتي، إن لم يتقبل هؤلاء، أصحاب العاهات الإعلامية، ملاحظات تعينهم على تصحيح خلل وخطأ وإرباكات في الحضور وفي الإلقاء واللغة وفي فنّ الحوار.. ومن أول شروطه: الإصغاااااااااء الجيد..فإن الإعلام مقبل على مستقبل خطير!
إلى اللقاء مع إعلاميين وإعلاميات يستحقون المتابعة والتقدير والاعتراف بحضورهم وحضورهن، وبحاجتنا إليهم وإليهن..
(الصور عن الانترنت)