عندما حوّلت الميديا رمضان لشهر التنبلة و”الكَرُّوش”..

كتبت: حنان فضل الله

لا أحد يذكر بالضبط وبالتحديد، مع أي رمضان بالذات، بدأ الشهر الفضيل الكريم المبارك العزيز، حالة “ميتامورفزية”: وفق المعادلة الكيميائية المبسّطة جداً جداً وأكثر.. التالية: من إلى بواسطة كذا يساوي كذا مختلف، بالتحوّل من شهر تقوى وعبادة وتقرّب إلى الله وتدبّر في إبداعات خلقه وتأمل روحاني فيه بالذات، إلى تنبلة لزوم متطلّبات “الكرش” والتنبلة و”تضييع الوقت”، وحصر كافة اهتمامات خلق الله من الصائمين وغيرلا الصائمين، بالبطن واحتياجات ذاك الكرّوش، بحجة أن عين الصائم تستحلى؟!

للإعلام دور؟ طبعاً.. للتجارة والإعلان؟ بالتأكيد..

كثيرة هي الأدمغة التي اشتغلت على ذلك، وأقنعت الناس- الصائمين والسائرين في رُكبهم- بإرادتهم أو رغم أنوفهم، أن رمضان موسم، بيع وشراء، وأكل أكل أكل.. وتنبلة أمام الشاشات..

عروض (كذّابة غالباً) متعددة العناصر الاستهلاكية، زيوت، حلويات، معجّنات، عصائر، مشروبات غازية، مشاوي، فراريج.. حسب).. هذا في السلة الغذائية.. أما في السلّة الدرامية، حيث أسماء فنية وحكايات بعضها لا يركب على قوس قُزَح، كما يصف المثل الشعبي..

وفي الانتاجات/ السلّة الدرامية حيث حدّث ولا حرج، ولا أعرف صراحة، أي دماغ بشري عاقل وموزون ومنطقي، يمكنه أن يتابع بجدية واحترافية واستمتاع حقيقي، عشرات المسلسلات، بكل حبكاتها الدرامية، صورها الإخراجية، والتمييز بين شخصية هذا الممثل أو  الممثلة في هذا العمل عن شخصيته أو شخصيتها في عمل آخر؟

تلك مسألة تحتاج فعلاً لبحث..

رمضان أيضاً تحوّل إلى “فعل خير” مصوّر، ومنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. هو دعاية للآخرين كي يفعلوا مثله؟ من قال إن كسر عين محتاج تحتاج إلى إعلان.. أليست هذه حقارة العطاء؟ أليس عطاء السرّ يصبّ مباشرة في مطرحين هما الأهم والأنقى والأصدق، يد المحتاج وعين الله؟

ولعله.. لو لم يكن ثمة عيب أو حياء أو خشية من دوريات قوى الأمن الداخلي وغيرها من الأجهزة المختصة الساهرة على تنفيذ آليات الحجر، لَشَهِدنا موجة خيم “رمضانية أيضاً” تعبق بدخان الأراكيل المخلوطة بالموائد العامرة بَطَراً وتُخمة وعباءات وماكياجات وتسريحات شعر و”مِحْن” ليلي يستمرّ حتى يُعلَن بصوت خاشع: “حان الآن موعد الإمساك”.. ويميز أبيض الفجر من سواد الليل والسهر على نية الأكل..

ما الذي تغيّر هذا العام، وسط الأزمة الكورونية؟

التجمّعات الكبرى انعدمت بفعل خطة التعبئة.. لكن هل تبدّلت سلوكيات الجماعات الصغيرة= العائلات المحجورة؟

من شدّة العزلة، اكتمل القيد: أكل وسهر ومسلسلات!!!

سلسلة قوية البنيان، عناصرها إعلام “فجعان”، وتجّار لا ولن تمتلىء عيونهم إلا بكمشات التراب بعد أن يلتهمهم دودُ الجِيّف..

سلسلة لا يفكّكها إلا الوعي.. الوعي وحده!! وأعلى درجاته: الوعي الإيماني الحرّ.. لا المرتبط بـ “كروش” وصولجانات ولفّات رجال الدين، على اختلاف مراكعهم.

أليست العودة إلى التدبّر تغني عن كل ما سبق..

وربطاً بما سبق.. واعترافاً للكلب بمشاعره النبيلة، هذا المخلوق الذي لا يأكل إلا إذا جاع.. فقط إذا جاع، تماشياً مع غريزته الطبيعية للبقاء، تقول الخبرية أن كلباً جائعاً كان يبحث عن قوته وسط كومات النفايات، وإذ به يجد طفلاً حديث الولادة، لا زال فيه بعضّ من نَفّس، رماه انعدام الضمير والخطيئة (على الأرجح) إلى ما كأنه ما كان وما وُجد..  فما كان من الكلب إلا وقد حمله بكثير من عطف ووضعه أمام أبواب أحد المنازل.. ثم عوى.. ليُنبىء ساكني البيت بحياة مقهورة كادت غلاظة القلوب أن تمحوها.. 

هذا كلب نبيل.. تقابله سلوكه المشكور، “كوماتٌ” من قلوب “مُتَحَيْوِنَة” بلا رحمة، مع فائض بشاعة وفجعنة.. رمضانية..

هل الربط واضح؟

(الصور وخبرية الكلب عن مواقع عديدة من الانترنت) 

التعليقات