من هو عدوّ الدراما اللبنانية؟

كتبت: حنان فضل الله

قبل أن أسترسل في كتابة ما أودّ كتابته، الممثلة القديرة والخطيرة شكران مرتجى قدمت واحداً من أهم المشاهد التمثيلية في احدى حلقات مسلسل وردة شامية، حين تستدرج امرأة الى بيتها لقتلها ثم سرقة مضاغها، فتفاجأ بأن ضحيتها حامل في شهرها السابع.. هو مشهد عالي المستوى.. لعبت شكران فيه من روحها ودمعها وانسجامها معا الشخصية..

هذا ما أريد- كمشاهدة- أن أراه في أعمالنا اللبنانية وانطلاقاً منه..

ما الذي ينقصنا كي نتابع مشهداً عظيماً كهذا؟

سؤال يمكن للمشاهد أن يطرحه على نفسه، بعد متابعته لأعمال الدراما المحلية، ولمزيد من الإنصاف والصدقية، ما أمكن مشاهدته مع بداية الشهر الفضيل.. والذي لا يكاد يبقى منه إلا بعض الوَرِعين.. ممن يعرفون حقّ وحقيقة الأيام المباركة، طقوسها ومعانيها..

مسلسلات لا تشبع جوع المشاهد الى عمل يجعله يشرد قليلاً بعد كل مشاهدة.. من شدة إعجابه بمن وما تابع..

في كل الأحوال الدرامية.. ثمة ملاحظات تفرض نفسها على كل مشاهد حريص، محبّ للدراما المحلية، غيور عليها، ويغيظه ما يراه.. وأنا مشاهدة حريصة.

والملاحظات تخلص إلى أنه يوجد عدوّ بل أكثر، يتربّصون بالمسلسلات المحلية.. وهو ليس الجمهور.. فالجمهور يريد دراما نظيفة، لا تشوبها شوائب.. دراما يفخر بها ويعتز..

بعد قليل من التدقيق.. (لا لزوم للكثير منه).. تأتي الخلاصة على الشكل التالي:

أن للدراما المحلية عدوّ خطير، يحيك لإفشالها وتصغيرها في عيون الناس، وفي عقول النقاد الحريصين، والصحافيين أهل الخبرة، أحرار الضمير.. لا أصحاب المصالح وحمَلَة المباخر.

عدوّ خطير فعلاً، سوف يوصلها الى الهلاك وحافة الهاوية.. وآخر سلم التقييم الجدّي..

هل هي الأفكار؟ أم النص؟ أم عين المخرج؟ أم الإخراج بعينه؟ أم التمثيل؟ أم التنافس؟ أم الإنتاج؟ أم الوقت؟

أو تكون “نتف” من هذا وذاك وتلك؟ وعلى رأس هذا وتلك وذاك.. هو البوتوكس والنفخ والفيللر وغير ذلك من الجراحات “التصغيرية” لوجوه الممثلات.. العريقات منهن والطارئات..

في واقع الأمر.. أن الإنتاجات تتكثّف بهدف عرضها في الشهر الفضيل، وغالباً ما لا تشبه الشهر الفضيل، لا من قريب ولا من بعيد.. (وهذا ليس مقام المقال).

إذن تتكثف الإنتاجات بروح تنافسية عالية وشديدة، لزوم الموسم الرمضاني الذي وكأنه في كل عام، يأتي كأنه “مفاجئٌ” للجميع (أهل الكار)، وبتسارع –وأحياناً بتسرّع- تدور الكاميرات لـ “تلحّق” العرض.. (بعض كاميرات التصوير أطفىء للتو)..

هذا سؤال يطرح نفسه- فرضاً- لمَ العجلة؟ أليست دراسة كل “مشروع” بكل تفاصيله، أهم وأبقى وأنفع من العجلة وفيها الندامة؟

.. ثم في الأفكار..

مقتبسة، مسروقة، مسلوقة, مبتكرة.. مبتكرة؟؟ هل من فكرة مبتكرةpure ؟ لا أعرف للأمانة.. حيث أنني لا أحتمل مشاهدة “الكم”.. فقلبي الصغير لا يحتمل.. حقاً..

أم أنها توليفة “درامية” لمجموعة أفكار: مستوحاة “على دوزان “توارد”، منهوبة من أحدٍ ما ثم  معادة فبركتها بكثير من التشويه، لدرجة أن صاحب النص الأصلي المشبّحة منه الفكرة، يعرف أصل الحكاية ويعزّ عليه أن ينبطح الى مستوى “شفرة على الأرض” كي يظهر حقه حقه!!

وهذه أيضاً أسئلة..

في النصوص.. صناعة النصوص أقصد.. الشغل الدرامي اللذيذ.. حياكة الحبكة.. بطريقة تحترم اسلوب الكاتب وعقل المشاهد وقلبه ووجدانه.. نصوص تحكي معه.. تفهمه ويفهمها.. يفكّر فيها ويبتسم معجباً..

خارج التطبيل والتزمير، وبعيداً عن الـ “دَهْوَنِة”.. أين النصوص الجذّابة التي تحرّض المشاهد على التفكير؟ مطّ وتطويل في الحلقات العشرين الأولى.. والباقي “تشويق”؟؟؟؟ هه!!

عين المخرج؟

أحياناً عيون جميلة.. كادرات، حركة كاميرا.. وأحياناً كثيرة.. عيون إخراجية، مع المساعدين.. فيها ضعف نظر..

أحياناً مشاهد مقبولة.. وأحياناً كثيرة خارجة عن كل منطق ومقبول..

أما التمثيل، فهو ممثل/ ممثلة، وهم سفراء العمل من مخ الكاتب وخياله إلى المخرج ومدراء لتصوير ومهندسي الديكور وغير ذلك من أصحاب المفردات ومعانيها..

وهنا مربط الخيل والليل والسهرات “الرمضانية”..

وبعيداً عن المجاملات التي لا تفيد في تقدّم العمل الدرامي.. الممثلون الحقيقيون قلة قليلة جداً جداً جداً..

هل عدو الدراما هو الكاستينغ (اختيار الممثلين)؟

هل تكون “روابط ” وعلاقات الممثل (ة) بالمخرج، بالمنتج، بشاشة العرض؟

واللهِ (بكسر الهاء) هناك مشاهد أشبه بلعبة بيت بيوت التي كنا نلعبها صغاراً..

من المسؤول؟

لماذا كل ممثل يوكل إليه دور ينبري بمدح وشكر المنتج الذي اختاره.. هل هذا عمل المنتج؟ وحده؟

أليس اختيار ممثل لدور هو لقدرته على تقمص الشخصية وإعادة تقديمها بطريقة “مقنعة”!

من قال إن الوجوه الجديدة لا يجب أن تعطى فرص حضور؟ بلى.. يجب أن تحضر الوجوه الجديدة.. لكن ألا تحتاج إلى توجيه وصقل للموهبة؟

ثمة ممثلة جميلة جديدة، لها بطولة “قصوى” في مسلسل لبناني.. تتكلم من أنفها.. لماذا؟ بكل بساطة لأن حكيم التجميل ضرب لها جيوبها الأنفية وهو يعدّل شكل أنفها.. تعابير وجهها لا تساعد على ترجمة “فكر” الكاتب” ورؤية المخرج..

ممثلة عريقة.. محّى البوتوكس والنفخ و”الفيلر” كل إمكانية لأي تعبير في وجهها.. فباتت تتّكل على حركات يديها ونبرة صوتها كبديل عن تعابير الوجه الجادة بفعل المواد التي شلّت وأخفت كل إمكانية لحرية العضلات.. صوتها المتلوّن.. هل يكفي على الشاشة؟ ليس المسلسل دبلجة صوتية!!

ولا بدّ من ذكر عدوّ ماحق الدراما هو “الإعجاب غير المشروط” بأداء هذا النجم او تلك “النجماية”.. وتقييم أدائهم بصفات لا تصدّق: مبدع.. مبهر.. رائع.. خلاّق.. مميّز..

أما بعد..

حين يُقال.. يُكتب، يُطرح نقد.. فهو من باب الغيرة لأجل التحسين..

ما المطلوب أكثر من أن يتعب ممثل على حاله.. على أدائه.. ولا ينتشي من مديح جوقة حَمَلة البخور؟

أن يدير المخرج عين كاميراه بالتنسيق مع “البطل”/ البطلة فهما وجها العمل وواجهته، والمرآة التي تعكس “فكر” الكاتب المزروع في نصّه، كلمة كلمة، جملة جملة.. في القصة والسيناريو الحوار..

أن يجتهد الكتاب أكثر على كل جملة وفاصلة ونقطة في “السكريبت”؟!

أن يطوّل المنتج باله قليلاً.. ويقترب أكثر من الفن.. ويزيح بعض الشيء عن المتاجرة.. أقصد التجارة.. فصحيح أن الانتاج التلفزيوني “بيزنس”، ومن حق صاحب رأس المال أن يستثمر ماله، بعض الضمير الفني واجب.. أليس كذلك!؟

عودٌ غلى بدء.. استذكاراً لمشاهد مؤثرة في “مفخرة”درامانا المحلية: مشهد النجمة الكبيرة كارمن لبس في مسلسل “موت أميرة” حين تجتمع في سهرة مع أصدقائها ويدور الحديث عن ابنتها الحقيقية ميريام مقارنة مع ابنتها “الكذابية” أميرة فتغار أمومتها وتحرك يدها على شعرها في “لقطة حنونة رائعة..

مشهد آخر من أصدق المشاهد التي لم تأخذ حقها على الإطلاق.. مشهد غسيل جورج شلهوب لملابسه بيديه وعلى الأرض (في العمل نفسه)، وهو الكهل الوسيم الوحيد العازب الباحث عن ثروة في أحضان النساء.

ما أريده- كمشاهدة- محبة للدراما اللبنانية أن تعمّم مدرسة كارمن لبس في الأداءـ وأن يُعطى أداؤها العفوي الصدق حقه.. كذلك جورج شلهوب وجان قسيس وأنطوانيت عقيقي وغيرهم (من هم مثلهم)، لتتحوّل الى مشاهد تعمم العمل اللبناني كله.. من أوّله إلى آخره.. مع كل الممثلين، المبتدئين والمخضرمين المعتّقين..

التعليقات