نظّمت الحركة الثقافية في انطلياس ورابطة خريجي معهد الرسل- جونيه ندوة حول كتاب الباحث جان دايه “البرفسور سالم وسرطان الطائفية”، أدارها المحامي معوض رياض الحجل، تحدّث في اللقاء:
– الدكتور انطوان سيف أمين عام الحركة الثقافية -انطلياس
-سعادة السفير الدكتور ناصيف حتي عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الكسليك
– الباحثة الاستاذة ليليان قربان عقل
– الكاتب والمحلل السياسي الاستاذ غسان الشامي
-الشاعر الاستاذ انطوان رعد النقيب السابق للمعلمين ورئيس رابطة خريجي معهد الرسل جونيه.
– الباحث الاستاذ جان الدايه
– البروفيسور فيليب سالم
في نهاية اللقاء القى البروفيسور سالم كلمة شدّد فيها على أهمية فصل الدين عن الدولة، ليكون ولاؤنا للبناننا وليس لطوائفنا.. منذ عام 1975 وهو يتحدث عن انه لا يمكننا العبور الى القرن الواحد والعشرين ونحن مكبلين بالطوائف ،”ان لم نتحرّر من الطوائف لا يمكن عبور هذا الجسر”.
وهذا نص كلمة الزميلة الباحثة والأستاذة ليليان قربان عقل، التي تميّزت بعمق البحث ورقي العبارات، ومقال قارب للمقام وناسه:
مساء الخير
يدخُل الباحث جان الداية عتبةَ كتابِه “البروفسور فيليب سالم سرطان الطائفيّة”، بالاشارةِ إلى أبرزِ أطباءِ بلادنا الذين حملوا رايةَ “طب الأوطان” من البيروتي أسعد يعقوب الخياط في ثلاثِينيات القرن التاسع عشر إلى شبلي شميل بعدَهُ بأربعينَ عامًا إلى خليل سعادة، ثم حسن الأسير وخالد الخطيب في عشرينات القرن الماضي وصولاً في الأربعينيّات إلى عبد الله سعادة وجميعُهُم كانوا “أطباء أوطان” ناشدوا بالعلمانيّة كسبيلٍ لنهضةِ المجتمعات ورُقيِّها في مجتمعٍ غارقٍ بالتناقضاتِ والتشظياتِ الدائمة…
عُجالة حطَّتْ رِحالها في بطرام في الكورة لتحكي عن طبيب السرطان الشهير في العالم البروفيسور فيليب سالم، الذي دفعتْهُ شهرتُه إلى تحسّسِ أمراض لبنان السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة وأبرزُها “سرطان الطائفيّة” كما يظهِرُهُ عنوان الكتاب موضوع هذا اللقاء.
حملَ الدكتور سالم قضايَاهُ الوطنيّة في ورشةٍ اصلاحيّةٍ فكريّة شَمَلت لبنان وبلاد الاغتراب والانتشار، تمحورت معظمُ أفكارِه وآرآءِه محاضراتُهُ ومداخلاتُهُ ومقابلاتُهُ حولَ تشخيصِ (مرض السرطان) لأنَّهُ يساعدُ في تحديدِ العلاجِ وبالتالي إلى شفاءِ المريضِ ومِنْهُ غالبًا ما تطرَّقَ إلى داءِ السرطانِ المجتمعي والدواءِ المعهودِ المختصرِ بالكلماتِ الأربع “فصلُ الدين عن
الدولة”… هذه هي عمقيات الكاتب وفِكْر البروفسور فيليب سالم…
إنّها حوارات تطوّرات إلى لقاءاتٍ امتزجَتْ فيها شخصيّةُ الاستاذ جان الداية وأسلوبُهُ، الصحافي بفكرِ الباحث، لتُثمر كتابًا مميّزًا بعُمقِهِ وفَرادتِهِ.
هذا الكتاب – الحوار الذي جرى على مرحلتين خلالِ ثلاث سنوات ركّزَ على أسئلةٍ مرحليّةٍ لكنَّها محوريَّة بارتداداتِها وتأثيراتِها…
وإن كانَ البروفسور سالم في أجوبتِهِ أيّدَ ما سبقَ وأجمَعَ عليهِ زملاؤُهُ “أطباء الأوطان” بأنَّ العلمانيّة هي الحلّ إلا أنَّهُ
ركّزَ على أهميَّةَ التربية ودورُ المدارسِ والجامعاتِ باعتمادِ مناهجَ علميّة وطنيّة تحفزُ العقلَ والمعرفةَ، يقول الدكتور سالم “أهم شيء لبناءِ وطنٍ يقوم على التربيةِ وتحريرِ العقلِ وصنعِ انسانٍ جديد” العقلُ هو أهم عنصر في الانسان وعلينا مخاطبتُه وتحفيزُهُ. في الشرقِ يعدم العقلُ والمعرفة… ونحنُ معه اليوم نسألُ “أينَ هي (التربية الوطنيّة) في مناهجِ التعليمِ بكلِّ مداخلها؟ بل أيُّ مستقبلٍ لشبابٍ لم يقرأوا في كتابِ تاريخٍ واحد؟
هذا الكتاب – الحوار أجابَ على معظمِ الاشكاليّات التي تعترض نشوء لبنان التعدّدي اللاطائفي ضمنَ مشروعِ فصل الدينِ عن الدولةِ من حيثُ الأحوالِ الشخصيّةِ وتعدّدِ الزوجاتِ إلى دينِ الدولة، قانون النسبيّة، الأعياد الدينيّة، التربية الوطنيّة،
الزواج المدني الاختياري، فصلُ الدينِ عن السياسة… وغيرُها من الأمور.
من خلالِ هذا الحوار الطويل الذي شخّصَ فيه الدكتور سالم مرضَ الطائفيّة كالسرطان هو مرضٌ خطير لكنَّهُ قابل للعلاج والشفاءُ منهُ ممكن. فأكثر ما تعلّمُهُ مهنةَ الطب التي يُمارسها أنّ الانسان واحد ولم يرَ أن مرضَ السرطان يتصرّفُ مع الدرزي بشكلٍ مختلفٍ عن المسيحي أو المسلم. الانسانُ هو واحد.
كذلكَ علّمَهُ الطبُ أمرًا مهمًّا جدًّا أنّهُ من دونِ الاصرارِ والمثابرةِ والقوّةِ لا يمكنُ أن نصلَ إلى أيِّ شيءٍ، كذلكَ لا يُشفى المرضُ إن لم نصرَّ على فصلِ الدينِ عن الدولةِ ولو تَطَلَبَ ذلِكَ
وقتًا طويلاً، يقولُ الدكتور سالم “أنا أفضّل أن نبتدئ بالكلامِ اليوم حتى نصلْ لكن ليس لنقول أنّ هذا غيرُ ممكن أن يحصل ولا نقوم بأي عمل، إنّ العمل مسؤوليّة”.
إنّه حوارٌ ممتعٌ بينَ الأستاذ جان الداية والبروفيسور فيليب سالم تنقلَ بخفةٍ بينَ محاورَ وجوديّةٍ وطنيّةٍ غايتُها علاجُ الانسانِ لعلاجِ الوطن وبالاذنِ من الاستاذ جان هل يمكنني أن أسأل البروفيسور سالم كيف يمكنه أن يعالجَ انسانًا لا يعترفُ أصلاً أنّهُ مريض ولا يطلبُ علاجًا؟ بعدَ ان أصبحت الطائفيّة مكوّنًا أساسيًّا في التركيبة اللبنانيّة إلى أي حدٍّ يمكنُ أن نستأصلَها كالسرطان دونَ أن نستأصلَ معها وطنًا؟
من منّا لا يعرفُ أنّ الطائفيّةَ هي علّةُ لبنان ومشكلتَهُ الأساسيّة ومن منّا لم يحضر محاضرات ولم يسمع تصاريح مندّدة بها، ومن منّا لم يقع فريسةَ تلك “الطائفيّة” غصبًا عَنْهُ.
بل كيفَ يمكنني، أنا ابنةُ بيئةٍ تربّت على اللاطائفيّةِ والمواطنةِ أن أتصرّفَ في ادارةٍ رسميّةٍ لبنانيّة اقدّمُ نفسي فيها، ك “ليليان” والبعضُ لا يرى فييَّ إلاّ ال “قربان”؟
بروفيسور فيليب سالم، أيُّها العالِمُ والعَلَمُ، الذي شَخَصَ هذا المرض وصنَّفهُ سرطانًا لكنَّهُ متقدّمَ المراحل ومتغلغلاً في جسمِ الدولةِ اللبنانيّةِ حتى أصبحَ جزءًا لا يتجزء منها…
نسألُ معكَ ونتساءلُ كيفَ يمكننا أن نعالجَ هذهِ الطائفيّةِ الخطيرة والتي تزدادُ خطورتُها في الممارساتِ كلّ الممارساتِ؟ لقد تفشى المرضُ واسعًا وعميقًا يا دكتور… أين مبضَعُكَ؟
حضرة البروفسور سالم تتحدثونَ عن أنَّ العلاجَ هو بمنهجٍ تربويٍّ علماني لا طائفي هذا صحيح لكن عمليًّا كيف يمكن أن تغييرْ المناهج التربويّة فيما القيمونَ عليها طائفيون؟ وأي سياسةٍ تربويّةٍ نعتمدُها في مناهجِنا في زمنِ التحولاتِ المفخخة؟
الفكرُ رائع، لكن المشكلةَ هي في التطبيقِ، ثمةَ خللاً معرفي بينَ الفكرِ والممارسة، ينبغي العمل على ردمِ تلك الهوةِ بينَهما قبلَ أنْ يفقدَ الفكرُ حركتَهُ وبالتالي يفقدُ مبررات وجوده…
هذا الكتاب “سرطان الطائفيّة “هو نموذج عميق، حوار صحفي حول سرطان الطائفيّة يضيءُ على مشكلات لبنان من رجل علمٍ. إنّه كتابُ وطن بل كتابٌ من أجلِ وطن.
ينم هذا الكتاب عن لذةِ اكتشاف العلاقات الشخصيّةِ، والسياسيّة والانسانيّة مع رجالات لبنان من أنطون سعادة إلى شارل مالك وغسان التويني وغيرهم.
كتاب سرطان الطائفيّة المولود الجديد للأستاذ جان الداية انتاجٌ فكريٌّ غنيٌّ بمادتِه وبمحاورِه، نصّعهُ جان الداية ﺒ “لمعات ثلاث” استهدف منها تعبئةَ الفراغاتِ والصفحاتِ البيضاءَ بالمختصراتِ المفيدةِ، كما يقول، حيثُ أنَّه نشرَ “لمعات” لعدد من كبارِ العلمانيين مثال المعلّم بطرس البستاني… كي يدعمَ حوارَ الكتاب الدائر حول سرطان الطائفيّة والعلاج العلماني الخالي من المراجع.
خاتمة الكلام، تحيّةٌ إلى كلّ فكرٍ نهضويٍّ يضيءُ شمعةَ أملٍ في عتمةِ هذا الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يهدِّدُ مجتمعنا ومستقبلَ الأجيال.وتحيّة إلى كلّ قلمٍ يقومُ برغدِ الأدب بقيمِ الحق والخير والجمال.
ليليان