هكذا خذل المسؤولون “أسطورة ألمانيا”  فأنصفه أطفال مزرعة الشوف       

 الشوف/ خاص- حرف عربي + 

لم تتسع الصحراء الشاسعة بين العراق والكويت لأحلام الطفل اللبناني علي محمد زراقط الذي كان يقطن مع عائلته هناك، فقرر لدى عودته إلى لبنان ألاّ يدع لطموحاته حدوداً، فقطف ثمار الليمون وعمل على نقلها، ثم أنشأ دكاناً صغيراً لبيع الساعات وتصليحها ليكسب مالاً يخوّله تحقيق ما يصبو إليه، حيث قام بابتياع بطاقة سفر إلى ألمانيا دون علم والده.

وصل الفتى زراقط إلى ألمانيا عام 1976 ليهيم على وجهه في شوارعها الواسعة، فبعدما نفذت منه الـ100 دولار الوحيدة التي بجعبته، نام في طرقاتها ، وفي محطات الباص، وشرب من مياه دورات المياه، لا بل أكل من حاويات النفايات، وحملته رجلاه كي يطلب من الشرطة الدخول إلى السجن! ولمّا رفض طلبه عمد إلى الصعود إلى القطار دون تذكرة، ويفتعل خلافاً كي يسجن!

دخول السجن لثلاثة أيام، علمّه معنى الحرية، فأُخرج منه ليعمل في محل للساعات وكانت الإنطلاقة من الصفر، وما ساعده صدور قرار ألماني يتيح لكل عامل دراسة الماستر، وتتحمل الدولة 80% من التكاليف، فقرر الإنخراط فيه، ولم يوافق رئيس الشركة تحت مبرر أنه لا يجيد اللغة الألمانية وهي صعبة فعلاً، لكن ما ساعده ما كتبه عنه المدير من أنه عامل مخلص ونشيط، وقد قام باختراع بعض الأشياء البسيطة آنذاك، فحصل على فرصة ونجح خلال 6 أشهر رغم أن الاختصاص يحتاج لخمسة أعوام!  وحصل على ماستر مهندس بدرجة جيد جداً، مختصراً الطريق إلى النجاح.

“رجل العام للانجازات الإنسانية

بعد عامين فقط، استدعاه وزير الداخلية وأبلغه بمنحه الجنسية الألمانية فذهل لهذه المفاجأة. وكرّمه الألمان مرةً ثانية حين اختاروه في 1992 رجل العام للانجازات الانسانية.

عام 1993 قررّ العودة “بقوة” إلى وطنه الأم لبنان، فافتتح المؤسسة اللبنانية الألمانية للآلات الدقيقة، وافتح معهداً لتعليم هذه المهنة الصعبة، لا بل أقنع الألمان بإنشاء أول مصنع للساعات في الشرق الاوسط، بحيث يضم 200 تقني وعامل لبناني.

لم يكتب لحلم زراقط أن يرى النور، وهو يكشف وللمرة الأولى أن عدداً من الوزراء اللبنانيين نصحه بمغادرة البلد، وطرح فكرة المشروع جانباً، قبل أن يأتيه تحذير من قبل السلطات الألمانية أن حياته مهددة بالخطر! فحمل كل معداته وآلاته وقفل عائد  إلى ألمانيا بعد 5 سنوات…. بعد أن كرّم عام 1996 من جانب السفير الألماني في لبنان، مع العلم أن هذا التكريم يقع على عاتق المسؤولين اللبنانيين والدولة في لبنان، وعندما عاد إلى “بلده الثاني” ألمانيا لقبّه الإعلام الألماني بـ “الأسطورة”!

ساعة القرن 21 في مجلس النواب

لم يفتّ كل هذا الاحباط من عضد د. زراقط، لا بل على العكس فقد “كرّم”  بلده!، وأهدى مجلس النواب عام 2010 “ساعة خيالية” أطلق عليها في ألمانيا “ساعة القرن الواحد والعشرين”، لعدم قدرتهم على فكّ لغز تركيبها، وهي تعمل دون محرّك مرئي ودقتها متناهية.

أطلق على هذا الإبتكار من قبل أساتذة الهندسة والفيزياء والإعلام الغربي بالمعجزة الميكانيكية ومصباح علاء الدين السحري، ولقبت بساحر الوقت لفرادتها، وقد ذهل من رآها، وطرح عليّه من قبل احدى الجامعات الألمانية أن يعمل على مسابقة بين الطلاب الجامعيين عن فك لغز عمل هذه الساعة•

الساعة عبارة عن ستة أنابيب تتصاعد داخلها فقاعات هوائية فيما تتألف الساعة من دائرتين منفصلتين: الأولى للساعات والدقائق والثانية للثواني. يراوح طولها بين مترين وستة أمتار بحسب الطلب ويوجه إليها 24 قمراً اصطناعياً لإعطاء الوقت بدقّة. ويختلف الوقت فيها ثانية واحدة كل مليون سنة.

كاسحة الألغام “لبنان!

وخصصّ زراقط وعلى نفقته الخاصة ساعة للمدرسة الحربية التابعة للجيش اللبناني إكراماً لـ 300 ضابط تخرجوا منها،  وقام أيضاً بترميم الساعة الأثرية القديمة التي تعلو المقر البطريركي العام في الديمان

وقرّر د. زراقط إيجاد حلّ لآلاف من ضحايا الالغام، واقام معرضاً في قصر اليونيسكو ببيروت عرض فيه أحدث 4 اختراعات له منها ناطحة للألغام أسماها “لبنان” لا مثيل لها عالمياً، فهي أشبه بدبابة مصنوعة من معدن صلب يمكن التحكم فيها من بعد وتعمل على اقتفاء أثر الألغام بهدف تدميرها، وفي استطاعتها أيضاً أن تنخر الجبال وتحول صخورها حصى تستعمل في البناء، وتعتمد هذه الآلة  التي كرّمه عليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون عم 2016على تكنولوجيا حديثة جداً تعمل بفعالية وسرية، ويتم تشغيلها عن بعد ومن خلال الأقمار الصناعية.

استغرق صنع الناطحة … وما أحوج لبنان إلى هذه “الكاسحة” التي ستخلص جنوبه من خطر القنابل العنقودية والألغام التي زرعها العدو الإسرائيلي في أراضيه وبقاعه….

إشارات سير ذكية.. ومواقف سيارات عامودية!

ولا تنتهي القصة عند هذا الحد، فاختراعاته تحيّر العقل والمنطق. فإضافة إلى اصلاحه ساعات في كنائس برلين الأثرية، اخترع زراقط شارات سير متطوّرة خاصّة.

شارة السير العالمية التي ابتكرها د. زراقط توقف محرك السيارة تلقائياً على الضوء الأحمر، ليعود ويدور عند الضوء الأخضر!

أما مواقف السيارت الأوتوماتيكية العامودية المتطورة، فهي خير “علاج” لمشكلة أزمة زحمة السير في لبنان، ولكن لا حياة لمن تنادي…! وهي مطبقة ومعتمدة في الصين وأوروبا ودول خليجية بعد ابتكارها من قبل زراقط.

ابتكر د. زراقط ساعة “وردة الزمن” التي صنعت لتوضع بجانب ساحة الشهداء في وسط بيروت لتشهد لجمال اللحظات في حياة اللبنانيين. يبلغ قطر الساعة أكثر من 18 متراً وهي الاكبر في العالم وتعمل بواسطة الأقمار الاصطناعية. كما أنها ساعة اقتصادية توفر 20 في المئة من طاقتها بفضل حركة شلالات المياه المتساقطة على جوانبها.

تخليص لبنان من النفايات!

منح المهندس زراقط جائزة عالمية من مدريد كأحسن تصميم لساعة تعمل على شيء غير مرئي يقوم على الحركة سواءً في آلة أو ساعة، قبل أن يعلن عن إختراع الساعة العجيبة.

وهناك اختراع زراقط  الثالث فهو أكبر هلال في العالم يبلغ قطره 25 متراً وارتفاعه 12 متراً. أرضيته من سيراميك الفسيفساء وتخرج من قمته نافورة مياه يصل علوها إلى عشرة أمتار وتتخذ وظيفة عقرب الساعة وتعمل بدقّة كبيرة. ورغم توقفها عن العمل مع انقطاع التيار الكهربائي فانها تضبط بعدها الوقت في طريقة أتوماتيكية. وخلف الهلال، تتساقط شلالات مياه على شكل دائري تجعل الناظر من بعيد يظن أنه أمام مجسم للكرة الأرضية.

ووجد د. زراقط حلاً عملياً وسهلاّ وغيرمكلف لمعضلة النفايات في لبنان، عرضه على المعنيين في لبنان، لكنه قوبل بآذان صمّاء!!

ولم يقنط الدكتورزراقط فهو يزور كل فترة لبنان ويلتقي مسؤوليه الكبار والوزراء والنواب على اختلاف مشاربهم، لكنه للأسف لا يسمع سوى الإطراء والثناء دون ترجمة ذلك على الأرض.

مدرسة مزرعة الشوف تكرّم زراقط

ومن نافل القول، أن زيارة المخترع العالمي الدكتور علي زراقط المقيم في ألمانيا، كانت مختلفة منذ أيام ، فقد كرمّته مدرسة مزرعة الشوف الرسمية (جبل لبنان) بشخص مديرتها المربية كرما صابر البعيني والهيئة التعليمية والإدارية.

وكان لطلاب المدرسة بمشاركة مدرستي المختارة وبقعاتا الرسميتين حوارمستفيض معه، حيث أجاب على أسئلة تتناول مسيرة حياته الزاخرة، وأيضاً عن اختراعاته العالمية، حيث حثّ زراقط الطلاب على الاستمرار في تحصيل المعرفة والبحث العلمي، وألا ييأسوا من الواقع، واعداً أياهم بالمساعدة الدائمة في شتى المجالات وصولاً إلى تسهيله تأمين فرص الدراسة في الجامعات الألمانية لهم.

عرضت سلسلة أفلام وصور توّثق لابتكارات زراقط، وسط تجسيد رسومات لاختراعاته مع عبارة “بالعلم نبني الأوطان، وبالجهل تموت” للدكتور زراقط الذي تسلّم الدرع التقديري من مديرة المدرسة ورئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني ورئيس بلدية مزرعة الشوف المهندس يحيى أبو كروم.

ورحبّت المربية البعيني بالدكتور زراقط فقالت إن الهدف من اللقاء هو منح أمل للجيل الجديد، بعد الإطلاع على قصة حياته وانجازاته، لذلك آثرنا أن يلتقي بالأعمار التي تشكّل عماد المستقبل، لتنمية طموحاتهم”.

وأضافت “المرء إذا لم ينطلق من ذاته وتخطى الصعاب فأنه لن يصل”.

حضر اللقاء الذي قدمته المعلمة حنين أبو كروم، أعضاء في البلدية ومن نادي التعاضد في مزرعة الشوف، فضلاً عن لجنة الأهل والمعلمات والمعلمين والأهالي ومدراء مدارس وتربويون.

التعليقات