كتب الباحث الأستاذ كمال مسعود:
قال الإمام علي كرَّمَ الله وجهه: وتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.
نعم.. الإنسان هو كون صغير من حيث النظام الأصل نظام الإبداع الأوَّل، جوهر الوجود المُفيض المُمَيز عن فيوضاته الثلاثة: أنوار العقل والنفس والروح، في جسم الكون المُطلَق والمولود في شمس نارية مميزة عن الكواكب الترابية الثلاثة: كوكب عطارد وكوكب الزهرة وكوكب الأرض المأهول، الذي وُلِدَ فيه النظام في هيولى الطبيعة الأربعة: في النار- المميزة عن الهواء- والماء- والتراب- ثم وُلِدَ في مكونات الطبيعة الأربعة: في الإنسان المميز عن الحيوان والنبات والمعادن!
في الحلقة السابقة، تكلمت عن النظام في المعادن وفي النبات، والآن ساتحدث عن الحيوان والإنسان، جامعاً بين الإثنين، من حيث الشكل والمضمون كون الإنسان هو حيوان ويملك ذات الشهوات الحيوانية، إنما يزيد عنها حب المعرفة والإرتقاء!!
إن أوَّل جسم خرج من بحر الهيولى الأولى هو الكروي، وتحرك بالحركة الدائرية المميزة عن كل الحركات. كما تميز كونه أوسع الأشكال،كما تميَّزَ عن كافة الأجسام، كونه ذو سطح واحد، ويليه الجسم المكعب ذو الستة أسطح كونه أوسع الأشكال بعد الكروي.
إذا قسّمنا أي جسم كروي إلى نصفين يصبح كل نصف ذو سطحين، سطح مقبب وسطح مسطَّح. وإذا قسمنا النصف قسمين، يصبح الربع ذو ثلاثة أسطح، سطح مقبب وسطحين مسطحين. وإذا قسمنا الربع قسمين، يصبح الثُمن ذو أربعة أسطحن سطح مقبب وثلاثة سطوح مسطحة.
إذن، بثلاث عمليات تقسيم للجسم الكروي، ظَهَرَ نظام ملكوت الله في الجسم الواحد المقسوم إلى ثلاثة، وظهر الثمن بالرمز لعدد ملائكة العرش الإلهي الثمانية.
1- الرأس شكله مثل نصف كرة، الوجه مسطَّح. النصف + النصف= كرة كاملة!!
2- الصدر نصف كرة، من الأمام مقبب ومن خلف مسطح، النصف+ النصف= كرة كاملة!!
3- البطن نصف كرة، من الأمام مقبب ومن خلف مسطح، النصف+ النصف= كرة كاملة!!
4- المؤخرة نصف كرة، من الأمام مسطحة ومن خلف مقببة، النصف+ النصف= كرة كاملة!!
1 – الجمجمة مكونة من مجموعة عظام مختلفة الأشكال والأحجام، أهمها العظام الأربع العليا!!
2 – العين تتحرك بواسطة أربع عضلات لتنظر في الجهات الرئيسية الأربع، وفي الجهات المزدوجة الأربع، وفي جميع الجهات المُتاحَة.
3 – القلب يحتوي على أربعة تجاويف، سُمِّيَت البُطينات وينبض بواسطة أربع بطاريات طبيعية.
4 – أخلاط الجسم أربعة المسؤولة عن سلامته من كافة الأمراض، بشرط أن يتوفر فيها عامل التوازن إشتهر الطبيب الإغريقي جالينوس بالحفاظ على التوازن بين تلك الأخلاط، الذي سار على نهجه أبو بكر الرازي أشهر أطباء العرب منذ حوالي ألف سنة، الذي لقَّبَ/ جالينوس العرب .
هذه الأخلاط الأربعة تنتمي إلى الأركان الأربعة:
أولاً: الصفراء مادة ذهبية شمسية نَسَبتُها إلى ركن النار .
ثانياً: البلغم مادة فضًيَة قمرية رَغَوِيَّة بيضاءَسَبتُها إلى ركن الهواء.
ثالثاً: الدم مادة غَرَوِيَّة لزجة نسبتُها إلى ركن الماء.
رابعاً: السوداء جبلة كثيفة نسبتها إلى ركن التراب
أولاً: الرأس المميز عن أقسام الجسم الثلاثة نَسَبتُهُ إلى ركن النار المميز دليل عرش نور الفكر السامي.
ثانياً: الصدر نَسَبتُهُ إلى ركن الهواء كونه وعاء الرئتين اللتان تتنفسان نسمات الحياة .
ثالثاً: الجوف نسبته إلى ركن الماء كونه وعاء الأمعاء التي تمتص سوائل الغذاء .
رابعاً: الأطراف نسبتها إلى ركن التراب كونها عظام حجرية كلسية بيضاء تكسوها طينة ترابية لحمية دموية حمراء.
قد يذهب الفكر في رحاب ما يتعدى الحرف باحثاً عن المعني الجوهري للكلمة عن روح الكلمة وليس شكل الكلمة. وعندما يُعرف المعنى يُهدم المبنى، الذي يحظى بالإهتمام الأكبر على حساب إهمال الجوهر. وذلك بالنسبة للكم الأكبر من الناس!!
وذَهَبً الفكر فيما يتعدى الألوهة سائلاً: إذا كان لكل مصنوع صانعٌ صنَعَهُ، والصانع خَلَقَهُ الله الذي خلق الكون، فمن هوَ الذي خَلَقً الله؟
إستشهاداً بما ورد في القرآن الكريم: إنّ ألله نورٌ على نورٍ يهدي لنوره من يشاء/ أقول: الله هو نور جوهر الروح القدُس ونور جوهر النفس ونور جوهر العقل. هو ثالوث النور الواحد الذي انبثق من فيض جوهر الوجود السرمدي، الجوهر المُفيض، المُبدِعُ، المعروف بإسم الباري تعالى، الواحد الأحد، الفرد الصمد، العَليُّ الأعلى جَلَّ ثناؤه.
وهنا ذات السؤال يُطرَح من جديد: مَن هو الذي أبدَعَ جوهر الوجود؟
الجواب: لا أحد يعرف، لأن عبقرية الإنسان وقفت عند حد الفصل بينها وبين ذلك الإعجاز المستحي .
لأن الإنسان استكبر وكَفَرَ بأقداس خالقه، فلنتذكَّر ما ورد في التوراة الإصحاح التاسع والعشرون من سِفرِ إشَعياء عدد 12:
فقال السيِّدُ لأن هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمِهِ وأكرمني بِشَفَتَيهِ وأما قلبهُ فأبعَدَهُ عنِّي لذلك هأنذا أعود وأصنعُ بهذا الشعب عَجَباً وعجيباً فتبيد حِكمَة حُكَمائِهِ ويختفي فَهمُ فُهَمائِهِ!!
لا إعتراض على مشيئة الله تعالى ولا عجب!! لا يوجد حُكَماء، ولا يوجد فُهماء، إلى أن يشاء!
معظم العلماء أجمعوا الرأي على عدم الفصل بين النفس والروح، وقرَّروا أن النفس هي الروح بذاتها. ولكن بعدما عرفتُ نظام الملكوت، فهمتُ الحقيقة بأن النفس جوهر مستقل، والروح جوهر مستقل، مثلما العقل جوهر مستقل، والكل جوهر واحد!!
إنها ليست مجرد نظرية، بل هي الحقيقة القائمة على البراهين العلمية العقلية المنطقية الثابتة، وذلك من خلال ثلاثة مواقع رئيسية في الجسم:
أولاً: الرأس هو وعاء عجينة الدماغ المادية المحسوس . والدماغ هو مسكن جوهر العقل السامي اللا محسوس. وجوهر العقل هو عرش نور الفكر الأسمى.
ثانياً: الصدر هو وعاء عضلة القلب المادية المحسوسة. والقلب هو مسكن جوهر النفس السامي اللا محسوس. وجوهر النفس هو المرآة العرشية لنور الذات الأسمى.
ثالثاً: الجوف هو وعاء الرحم، وعضو التناسل المحسوس. الرحم هو مسكن جوهر الحركة السامي اللا محسوس. وجوهر الحركة هو عرش. نور الروح الأسمى.. جوهرالحركة القائم بذاته لا يمكن القبض عليه.
أمّا المتحرك فهو جسم مادي يمكن القبض عليه. جوهر الحركة هو عرش نور الروح. ويستحيل وجود روح بدون وجود عرش حركي هتزازي.
هذه البراهين التي بيَّنتها أعتقد بأنها كافية.
في الخلاصة: الإنسان هو ثمرة هذا الوجود، ثمرة شجرة الحياة المغروسة في وسط الجنة، الحاضنة لنواة الكون العظمى على مُصَغَّر. وفيها تكمن طاقة الحياة، طاقة الهُيولى الأولى. فإذا بلغت سماوات الفكر والذات والروح سِدرة الصفاء المُطلَق، يكون قد تَحَقَّقَ قَصدُ الله تعالى، الحبيب المُحِب، الذي هُوَ في قلب الإنسان أقرب إليه من حبل الوريد!!
*إن ما ورد في هذه المقالة لا يعبّر بالضرورة عن رأي حرف عربي+ بل عن رأي كاتب المقالة حصراً.
*صور المقالة من أرشيف الباحث كمال مسعود
*صورة الغلاف عن الانترنت