كتبت: د. ليليان قربان عقل
في صباح يوم الأربعاء في الأول من أيلول (سبتمبر) سنة 1920، أعلن الجنرال غورو من قصر الصنوبر في بيروت نشوء دولة لبنان الكبير، وعن يمينه البطريرك الياس الحويك وعن يساره المفتي مصطفى نجا.
تفاعلت الصحافة اللّبنانية في الوطن والمهجر مع هذا الحدث الكبير، وتضامنت مع أبناء جبل لبنان وسعيهم إلى التخلّص من ظلم الأتراك، خصوصاً الصحافة المهجريّة، لأنّها كانت أكثر تحرّراً، وأبرزها في مصر التي لعبت دوراً بارزاً آنذاك في بعث الحركة الفكريّة النهضويّة، فقصدها العديد من المفكّرين اللّبنانيين الذين هربوا من الاستبداد الذي كان يُمارس ضدهم.
ترك العديد من الصحافيين بيروت إلى الإسكندرية فالقاهرة، بحثاً عن مناخ أكثر حريّة وأنشأوا الجرائد والمجلات، وفي طليعتهم سليم وبشارة تقلا اللذان أسّسا جريدة “الأهرام” في 5 آب (أغسطس) سنة 1875 في الإسكندرية، ثم نقلاها إلى القاهرة لتصبح أكثر الصحف اليومية المصرية انتشاراً، وثاني أقدم صحيفة بعد “الوقائع المصرية”.
كيف تفاعلت صحيفة “الأهرام” المصرية العريقة مع إعلان دولة لبنان الكبير؟
في عددها الصادر في 28 آب 1920، أشارت إلى أنّه بسبب “انحراف صحة فخامة الجنرال غورو، تأخّر الاحتفال بإعلان لبنان الكبير الذي كان قد تقرّر يوم الإثنين في 23 آب في بيروت إلى موعد آخر غير بعيد”.
كما تناولت في العدد نفسه ما تناولته صحف بيروت عن انشطار أهالي طرابلس شطرين “أحدهما يطالب بضمّه إلى لبنان، والآخر يطلب الالتحاق بسوريا حتّى تكون طرابلس ميناء سوريا حراً، وقد وصلت ثلاث سفن هندسيّة إلى طرابلس لتخطيط المينا، كما تقرّر توسيع ميناء بيروت وأخذ العمّال يباشرون عملهم في التّوسيع. وتقول الأحوال إنّ الرّاجح الآن أن يكون تقسيم سوريا بحسب معاهدة سايكس بيكو، وهو أن تكون حلب إمارة ودمشق إمارة وكلّ منهما مستقلّة عن الأخرى. أمّا إمارة دمشق فإنّها تؤلّف من دمشق وحمص وحماه، ويكون حدّ إمارة حلب خطّ السّكة الحديديّة في ريله، ولربّما ألقوا إمارة ثالثة قاعدتها اللاذقية وتتناول جبال النّصيرية ثمّ تؤلّف إمارة في بلاد حوران، وهذه الإمارات الأربع حول لبنان تكون متّحدة اقتصادياً وسياسياً تحت سيطرة فرنسا التي يقع مندوبها السّامي في بيروت”.
**********************
وفي العدد الرقم 13217 الصادر أول أيلول سنة 1920، تنقل “الأهرام” برنامج الاحتفال، معلنة أنّه “تقرّر أن يكون الاحتفال بإعلان لبنان الكبير يوم الأربعاء أول سبتمبر (اليوم) وقد وضع برنامج الاحتفال على هذا الوجه الآتي:
“يحضر الجنرال غورو من عاليه بطريق الشام فيصل إلى السّرايا القديمة السّاعة 15 والدّقيقة 45.
تكون السرايا القديمة وساحة البرج مزيّنتين بالرّايات والمدافع.
تستقبل لجنة البلديّة ورئيسها فخامة الجنرال في قاعة السّرايا القديمة.
يخطب الرّئيس وأحد المستشارين.
في السّاعة 16 ونصف يبرح الجنرال السّرايا القديمة إلى منزله (بيت سرسق) ماراً بشارع النّهر وشارع فريد الخازن.
في السّاعة 17 يبرح منزله ويذهب إلى البارك فيمر بشارع الجمّيزة وشارع سعيد عقل فساحة البرج فطريق الشّام فيستقبله عند مدخل البارك متصرّف بيروت واللّجنة البلديّة والأعيان.
**********************
قبل أن يتكلّم الجنرال يؤذن بإلقاء خطابين أو ثلاثة ويتّفق على ذلك بين المتصرّف ورئيس اللّجنة البلديّة. وتقدّم نسخة من الخطاب إلى المتصرف في 29 آب، وهناك على الدكّة المحتشدة أمامها الجماهير يعلن الجنرال لبنان الكبير وأن عاصمته بيروت.
وسيأخذ سلامه في السّرايا القديمة فرقة من المشاة وفي البارك فرقة من المشاة تصحبها موسيقى”.
ثم يعرض شكل حكومة لبنان الكبير عمّا معروف يكون شكل حكومة لبنان الكبير. وقد توصّلنا إلى معرفة بعض الشّؤون الأساسيّة نذكرها مع التّحفّظ كما اتّصلت بنا من بعض الثّقات.
سيحوّل عنوان المتعلقة العربيّة إلى عنوان “لبنان الكبير” فيكون المندوب الإداري العام “الكولونيل نيجر” حاكماً عاماً.
ويقسم لبنان الكبير إلى أربع مناطق أو متصرفيّات ينصّب على كلّ منها حاكم وطني بجانبه مستشار إفرنسيّ على نحو ما هو عليه اليوم متصرّف بيروت.
يكون مرجع هؤلاء الحكّام ومستشاريهم إلى الحاكم السّلم في كلّ الشّؤون الإداريّة.
تعيّن موقّتاً لجنة إداريّة تقوم بمهام المجلس النّيابي ريثما يتم إحصاء لبنان الكبير، فينتخب مجلسه النّيابي بحسب الأصول ويتولّى وضع القانون الأساسيّ والأنظمة وتشكيل الحكومة تشكيلاً نهائياً.
تعيّن موقّتاً شبه وزارة يطلق عليها عنوان مديريّات فتكون منها مديريّة العدليّة ومديريّة الخارجيّة ومديريّة الدّاخلية ومديريّة الزّراعة ومديريّة النّافعة ومديريّة المعارف ومديريّة الماليّة ويعين لكلّ مدير مستشار إفرنسيّ.
**********************
بعد انتخاب المجلس النّيابي، تشكّل الوزارة الرّسميّة ويعيّن الحاكم وطنياً على ما يقال.
تشكّل محكمة التّمييز في عاصمة لبنان الكبير، ويكون الاستئناف في مراكز المتصرّفيّات الأربع التي تقسم إلى أقضية، يكون في كلّ منها محكمة بدائيّة.
لا خدمة عسكريّة في لبنان الكبير وإنّما تنظّم منه قوّة من الجندرمة كفيلة بتوطيد الأمن فيه.
هذا ما اتصل بنا من شكل الحكومة اللبنانيّة المنتظرة، ويقيننا أنّه بعد تشكيل المجلس النّيابي الذي تناظ به الصلاحيّة التشريعيّة، فهناك يتقرّر الشّكل النّهائي لهذا الوطن، فيكون إما جمهوريّة أو إمارة أو مملكة. أمّا اللّبنانيون فميّالون إلى الشّكل الجمهوري، بحسب ما ظهر من رأيهم للآن.
إنّ فرصة المساعدة وضعت لهذا الوطن أساس استقلاله ولن تقتأ حتّى نترك اللّبنايين إنشاء بنيان وطنهم المستقلّ.
**********************
من خلال رصد هذين النموذجين من جريدة الأهرام، نقرأُ الحدث بعينٍ مصرية حيث الصحافة مرآة الواقع آنذاك تؤرّخ أيضاً لمرحلة أساسيّة من نشوء لبنان الوطن الذي لا نزال نعيش اليوم تداعيات ولادته هذه.
(المقالة نقلاً عن صحيفة النهار العربي)