كتبت: حنان فضل الله
الأستاذ.. المستشار.. الكاتب، الصحافي، الأديب، الخطيب.. المحبّ.. المثقف.. المفكّر.. المتواضع.. المنفتح.. الطيّب..
ألقاب رافقت سيرة ومسيرة “كمال فضل الله”.. هذا الرجل الـ إسمه أكبر من أي لقب..
بالنسبة لي، كان يحلو لي أن أقول له “أستاذ كمال”.. لم أقل له “عمّو” ولم أجرؤ.. إنه الأستاذ- المعلّم.. كان صديقاً لأبي، وقريبَه، وذات أيام كان “بيت سرّه”..
يا ما تناقشا في الأديان والوجود والله.. إلى أن قرّرا الاطمئنان لقناعاتهما الخاصة.. وفي السياسة والحروب المُبيدة، وفي المجتمع وفي لأسرة والأبناء والبنات، الصالحين منهم والصالحات، المغضوب عليهم وعليهن.. يا ما أخبرني كم أن أبي يعتزّ بي..
مع “الأستاذ”، كانت جلسات عائلية فكرية استمرّت حتى وقت.. لا تعوّض ولا تُنسى.. ولن..
ومع عائلته الكريمة كان دفء اللقاءات..
غمرني بمشاعر أبوّة وحرص ونُصحٍ خبّأتها في قلبي وشغّلت ببعضها عقلي..
بالأمس راح “الأستاذ” إلى “هناك”.. حيث الأحبّة.. أطفأ شوقه إليهم.. وأشعل شوقنا من جديد..
وبالأمس، أصدرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية بياناً نعت فيه “الأستاذ”، وكانت كلمة معبّّرة للغاية، للأستاذ جوزيف القصيفي نقيب محرري الصحافة اللبنانية:
بألم وحزن شديدين تنعى نقابة محرري الصحافة اللبنانية الزميل الكبير، مستشارها لعقود من السنين الاستاذ كمال فضل الله، الذي انتسب إليها في العام 1962، والذي وافته المنية بعد جهاد دام نصف قرن ويزيد في عالم المهنة ،صحافيا، محررا وكاتبا، في وزارة الاعلام، الوكالة الوطنية للاعلام، وجريدة” اللواء” وسواها من الصحف والمجلات اللبنانية.
الصحافي، الكاتب ، الأديب، الخطيب الذي دانت له المحابر والمنابر ، مخلفا الحسرة والأسى في قلوب محبيه وعارفيه، وهو الرجل الهادئ، الرصين، الحكيم، المعتدل، المنفتح، العف اللسان والكف، صاحب الوقفة والموقف الذي لم تغب يوما البسمة الحيية عن وجهه الصبوح، المتصالح دوما مع نفسه والآخرين. هذا الصحافي ابن عيناتا الجنوبية الراسخة والثابتة في جغرافية الوطن، طوى صفحته الأخيرة، ومضى إلى ملاقاة وجه ربّه راضياً، مرضياً، بعدما خط السطور الأخيرة من حياته الزاخرة بالعطاء.
كان- رحمه الله- صاحب قلم مبدع، لغوياً مدققاً، ومرجعاً، لم يبخل يوماً بمساعدة زملائه الناشئين الذين كان عوناً لهم في شقّ الطريق أمام نجاحات حققوها في مهنة المشاق والمتاعب. وكان إلى جانب النقيب ملحم كرم ممثلاً له في مناسبات وطنية ونقابية وثقافة لافتاً ببلاغته آلاسرة، وحضوره المميز.
أبكيه صديقاً، رفيقاً، شريفاً، لم يرتزق إلا من مهنته، آكلاً خبزه بعرق قلمه، لم يحد به هوى أو ميل إلى ما يتجاوز حدود الشرف والاستقامة، والموضوعية، والتهذيب.
في هذا الزمن نفتقد إلى أمثال كمال فضل الله الذي شرّف المهنة، وارتقى بها إلى عاليات الذرى.
وداعاً أيها الراحل الكبير، ولك مني، ومن الزميلات والزملاء الذين عرفوك، أو تهادت اليهم قبسات من عاطر سيرتك، كل الدعاء بأن يتغمدك الله بواسع رحمتك، ويفسح لك في اخداره السماوية صحبة الاخيار الصالحين من عباده. وعزاء كبير نزجيه إلى عائلتك الكريمة، سائلين الله، عز جلاله، أن يلهمها جميل الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.