كتبت: حنان فضل الله
أن تتعرّف إلى أحمد عمارة متأحراً خيرٌ من ألّا تعرفه أبداً.. هذا ما حصل معي منذ قرابة العامين.. ومنذ قرابة العامين حتى الساعة، وعقلي يعمل على خطّ أفكاره التجديدية ليس للمعتقد الديني فقط.. بل ما وراء ذلك.. هذا الفضول المثير لكل فكر جديد، جريء، تصحيحي، مقنع بالعلم والحجة والمستند والرجعة إلى التواريخ، جمع تاريخ..
مذهلٌ د. أحمد عمارة، الباحث والاختصاصي في علم النفس واستشاري الصحة النفسية أو “بتاع علم نفس”، كما يحلو له أن يردّد- ممازحاً أو بجدية حسب الحالة التي يطلّ بها على مئات الآلاف من متابعيه- في فيديوهات مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به، أو محطات الإذاعة والتلفزيون ضيفاً على ندوة، مناظرة أو مقابلة.. هذا عدا محاضراته في عواصم عدة من العالم.
مؤثرٌ أحمد عمارة في ناسه.. جمهوره العريض هو ناسه، وليس “فانزات” يبهرها النجم فتوافق على كل ما يقول “عالعمياني”، فتهيّص وتكاد تفديه بالروح والدم وأشياء أخرى.. ناسه من مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافات والمعتقدات.. يوافقونه، ليس لأنه “ساحر” ما، “يخبط” عقولهم بل لأنه بكل بساطة، يحفّز ما بين أكتافهم على البحث والتأمل وطرح الأسئلة والمزيد منها ولأنه يقرّبهم من “أنفسهم” وأخطائها، يصالحهم مع ذواتهم، ويدعوهم إلى البدء من جديد.. إلى ما يحلو له أن يصفها بالـ “فرمتة”..
يكفي كي تحترم الرجل كثيراً، ان تلاحظ أنه رغم النجومية الكبيرة التي أصبح عليها بعد ليل ظروف معتمة، لم ينتشِ من نعيم وصل إليه، من شهرة أو مجد أو ارتقاء مرتبة أكاديمية.. هو لا يزال يخص “ناسه” بإطلالات- مطوّلة أحياناً تشبع حاجتهم الى المعرفة، ويعدهم بالمزيد.. لقد أخذ عهد الوعي على نفسه أمام الله.. ولم يخلف به.. حتى الآن..
على مدى سنوات تطوّر حضوره- فكراً ودعوات للوعي والسعي والتحرّر من خزعبلات عَقَدية تكبّل المخ وتؤثر في السوكيات- ولا يزال ثابتاً ومختصرُ أهدافه: الحثّ في التغيير بعد التفكير..
لا يتردّد عمارة في إشراك الناس- ناسه- في تجربة حياةٍ خاضه، قادته إلى ما يصفه بـ “نعيم” الدنيا، يريد د. أحمد عمارة أن يعرّف الناس على الجنة هنا من خلال التغيير.. هو من زلزلت كيانه كلمات الله في كتابه الكريم: “إن الله لا يغيّر ما يغيّروا ما بأنفسهم”.. و.. “ذلك بأن الله لم يكُ مغيّراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”.
يكفي أنه يريد لمتابعه ألا يكون تابعاً له، بل حرّاً، مسؤولاً لا عبداً وضحية..
كلام الله نفض الكثير من الأفكار المغروسة فيه- وهو تلميذ الأزهر الشريف، المستمع الدائم لشروحات المفسّرين، الداعي لِفَرَج بعد ضيق حال.. الشكوى والدعاء لا يحلان أزمة، ولا يفكّان عقدة..
لقد عرف “الكود”: التغيير يبدأ عند وعي المرء للخلل الذي أحدثه نمط تفكير خاطىء، سلوكيات مغلوطة، نوايا مُربَكة.. إذن يبدأ التصحيح الآن وهنا.. أسلوب اعتمده فتبدّلت حياته إلى ما يصفه بـ “نعيم” سعى إليه بشطارة وذكاء و.. وصل. حاولت التواصل معه مرّة إلا أنني لم أوفّق.. حضّرت مفاتيح أسئلة، حول قضايا كثيرة، ليس آخرها الأصنام التي قرّر بل تعهّد أن يحطّمها.. ولا أوّلها الدخول معه في أفكاره المجدّدة للفكر الديني، إلا أنني لم أُصرّ كثيراً، بانتظار أن يهدأ قليلاً “زمبرك” نشاطه.. ذات يوم.
يدرك د. أحمد عمارة أن آراءه قد لا يوافق عليها الجميع، ويدعو ناسه إلى التفكير فيها، والجهوزية الدائمة للبحث في كل شيء، إلى نقد ذاتي ونقد الموروث غير المُنزّه بالطبع وغير المُنزل بالتأكيد، إلى عدم القبول الأغشى لفكر قديم، قد يناسب الزمن الذي فُسّر فيه.. لكن بعد مئات السنين.. لا بدّ من فهم مختلفٍ بوعي آخر.
توافق د. أحمد عمارة، إن كنت ممن يرفضون “القَولَبة” في موروث فكري وديني وعقائدي لا يَدَ لك فيه، فإما وُلدتَ في القالب أو حوصرتَ به.. أو تعوّدتَ عليه، كما تعتاد الضحية جلّادها..
وترفضه رفضاً قاطعاً، إن كنت ممن يتبعون السّلَف ولا يجرؤون حتى على نقاشه، يجاورونه الله ويساوونه به.. ففي متابعة لما ينشره “مبغضوه” تكتشف أنه لا منطق مقنع لديهم للردّ، ولا حجة تواجه ما يقدّمه بالحجة.. حلقات أطلقت خصيصاً للردّ عليه، ئإطلالات إلكترونية أفردت دقائق طالت، للاستهزاء بما يطرحه.. أو منه شخصياً، والبعض الآخر إلى تكفيره أو إلى اعتباره مدفوعاً من “جهات أجنبية” (!!!) للطعن بالدين الحنيف على وجه الخصوص وبالأديان والعقائد الأخرى.. وكأن الجهات الأجنبية وفّرت فرصة، لم “تبحبح” فيها طعناتها غبّ الطلب.. قد لا يقبل هؤلاء مجرد البحث والتدقيق في ملفاته.. إعادة التفكير والنجقّق في ما يحملونه من موروث.. إن الشكّ يوصل لليقين كما قال يوماً المفكر الكبير الراحل د. جود أبو صوان في حديثه لـ حرف عربي+ والذي تعلّمنا منه أن كل ما هو دون الله قابل للنقاش.. أياً كان.. ومتى كان..
وبين الوعي والسعي تكمن فلسفة د. أحمد عمارة الفكرية المعتمِدة على فهم النفس وليس علومها فقط..
الوعي والعقلنة اللذان يوصلان الى الله والمعرفة والى الدور المطلوب منا كمخلوقات.. يضاف إليهما السعي: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى).. كما يشجع عمارة، أن ترى من الله كل خيرٍ، أن تعترف بالأبيض والأسود، السالب والموجب وباقي الأضداد والتناقضات.. أن ترى في كل محنة فرصة.
تحبّه أو لا تحبّه ليس تلك المسألة، يتطلّب الأمر فقط شجاعة الانفتاح على رأي آخر في أي معتقد مناقض أو في المعتقد ذاته الذي تنتهجه.. وليس آخراً..
لا بدّ من الاعتراف بميزات عدة يختصّ بها الرجل مثل الشجاعة، الكاريزما، الظُرف، الثقافة العالية إضافة إلى ميزة الارتجال التي تخوّله فتح هواء إلكتروني لساعات متتالية، والبحث في مواضيع متداخلة بين السايكولوجيا، البارابسيكولوجيا، العقائد، الأديان، المعتقدات، العادات، التنمية البشرية.. وكلها في خدمة الإنسان، أياً كان وحيثما كان، في هذه الحياة “الدنيا” وعلى هذه الأرض الطيبة.. أن تصدّق أن ما يجري في العالم هو مجرّد عبث؟ قصاص ربّاني؟ أم اختبار إعدادي لمرحلة جديدة؟! (الصورة عن الانترنت)