في زمن الكورونا: النظافة والتربية! بقلم جورج طانيوس الزغبي

كتب: جورج طانيوس الزغبي

علمتنا التجربة الحالية مع انتشار فيروس كورونا اللعين، أهمية الاهتمام بغسل اليدين بشكل جيد، لإزالة الأوساخ والميكروبات الجرثومية التي تصرّ على مواصلة الحياة معنا والالتصاق في نواح مهمة من جسدنا..

هذا هو الدرس الأول والأهم الذي انتشر في كل أنحاء المعمورة..

فمنذ اكتشاف هذا الوباء، والخبراء في مجال الأوبئة والأطباء يتكلمون ويشرحون عن أهمية غسل اليدين جيدا مرات عدّة في اليوم.. وهم ينصحون وينشرون فيديوهات تبين كيف علينا أن نغسل أيادينا بالمياه والصابون لمدة لا تقل عن عشرين ثانية- مع فرك اليدين-، ما يؤكد على أهمية الفتك بالجرثومة التي يمكن أن تختبىء تحت الاظافر أيضاً.. إن هذا الإجراء هو خطّ الدفاع المهم في تجنب الإصابة ومنع انتشار الفيروس عن طريق العدوى السريعة، التي ما تزال حتى اليوم تُحيّر الباحثين والعلماء.

إن هذه النصائح المتواصلة عن دور غسيل اليدين وتدريب الناس أو حثهم على إتمام هذا الواجب الصحي، ردّتني إلى أيام المدرسة في الضيعة، يوم كنا بعد في المرحلة الابتدائية تحت إشراف الراهبات وإدارتهن الصارمة والدقيقة.

كان ذلك إلى مطلع الستينيات من القرن الماضي.. وقد كانت المدارس في البلدات والقرى المقتدرة تحمل رسالتي التعليم والتربية بجدية وصرامة. فقد كان تلقين مبادىء اللغة والقواعد، تسبقه تربية على قواعد الحياة وسلوكها المنظم من ترتيب الأظافر والشعر القصير والحذاء الملمّع والثياب النظيفة.

أذكر، وكيف لا أذكر، أنه عند قرع جرس الصباح، علينا أن نسرع لنكون وقوفاً في الصف وكل تلميذ يأخذ مكانه وفقاً للترتيب الأبجدي مع مسافة اليد عن رفيقه الذي أمامه..

وعند قرع الجرس الثاني، علينا أن نكون متأهبين صامتين، استعداداً للفحص أولاً ثم الصلاة. وكانت “الماسور” ma soeur ) )- كما كنا نناديها أي الأخت باللغة الفرنسية) تمرّ لتعاين كلاً منّا.. والويل لمن تجد أوساخاً على يديه أو وراء أذنيه أو داخلها أو يكون حذاؤه أو ثيابه “مشلّعة”، كأن تكون القميص فوق البنطلون، فإلى القصاص الموجع، كأن تأمرنا بأن نركع لمدة ساعة خلال فرصة الظهر، أو أن تضربنا على أصابعنا إلى ما هنالك من أنواع عديدة من نواحي النظام القاسي… وكنا، بكل تأكيد نسعى إلى تجنب البهدلة أمام الرفاق وسائر تلاميذ المدرسة… وهذه أمور لا تمسّ بنا فقط، بل بأهلنا وصورتهم وسمعتهم… ومع هذا، كان بيننا من لا يتعلّم وكنا نضحك منه حين تصرخ به الراهبة لوسخ وراء أذنيه أو على يديه…

منذ تلك الأيام تعلمنا جيداً طريقة فنّ غسل اليدين وكانت عين المياه قرب المدرسة تماماً وهذا من حظنا طبعاً. وكان علينا أن نطيع أمهاتنا حين يطلبن منا أن نغتسل جيداً قبل النوم مساءً، وحين نفيق في الصباح قبل الذهاب الى المدرسة…

فالفحص الأول يكون في البيت لئلا تتبهدل الأم، إن وجدت الراهبة أن ذلك الولد عديم النظافة والترتيب…

إلى جانب هذا الواجب الصحي تجاه أجسادنا كنا متلقى دروساً في فن التعاطي مع الآخرين سيما الكبار في السن، كأن نسبقهم بالشفاء نلقي نحن التحية والسلام عليهم أو الوقوف وترك المقعد للسيدات والكبار، حين نكون في الكنيسة مثلاً أو في البيت أو في أي مكان آخر…

أما الفتيات فكنّ يتعلمن الخياطة والحياكة، إلى جانب دروس ترتبط بأمور الحياة وطرق التعامل حينما يبلغن سن الزواج ويصبحن أمهات… على أن يكن أمهات صالحات قديرات، يُحسنّ إدارة بيوتهن من مختلف النواحي والحفاظ على نظافة الأولاد والبيت بنوع أخص.

أعادنا اليوم كورونا إلى فرض غسل اليدين لنحافظ على حياتنا…

تصوروا أنه في السنة العشرين من هذا القرن.. والتركيز ينصبّ على غسل اليدين، على هذا الواجب الوجودي لأنه بذلك يكون إما خلاصك مع أهلك وأقاربك وإما التهلكة للجميع…

ولغسل اليدين يجب توفير المياه ثم الصابون… والمأساة أنه ما زال في مختلف أنحاء العالم مناطق محرومة من المياه ومن الإمكانيات لشراء الصابون… كما يذكر سمير عطالله عن بلاد الهند المكتظ بـ500 مليون اإنسان يسكنون بيوتاً مرتهلة، بعضها بلا مياه شفة، فكيف نطلب منهم أن يُحسِنوا غسلَ أيديهم؟

وعندنا؟

ألا تنقطع المياه يومياً ويلجأ الناس المقتدرون إلى الصهاريج يشترون المياه.. أما الصابون ومواد التنظيف والتعقيم فكلنا نعرف كم بلغت الأسعار…

حمانا الله من كل هذه اللعنات التي تلاحق بلدنا.

 

التعليقات