لا يستأذن الأحبّةُ حين يرحلون.. لكنهم يؤلمون يؤلمون!!

كتبت: حنان فضل الله

كم بدت ابتسام غنيم الصحفية المتمكّنة، والصديقة الطيبة، البنت “الجدعة”، كم بدت طفلة طفلة صغيرة متعمشقة بطرف ثوب أمها، في كل حرف مما كتبت في رحيل أمها، بين تصديقه وبين رجاء تأجيله..

وأفكّر في ما قد يكون دار في بال صديقتي، وهي ترافقها إلى مثواها الأخير.. هل تمنّت:

لو بقيت أمي بعض وقت؟! لو شربنا قهوة الصباح معاً.. لو ثرثرنا مساءً وضحكنا، لو تمشينا معاً وأمسكت يدها على الكورنيش البحري؟ لو نامت فتكشّفت كتفها فغطيتها ليلاً؟ لو بقيت بعض وقت، لأحضّر لها ما تحبّ من “أكلات”؟ لو زعبرت قليلاً فأعطيتها قليلاً من السكر، أو دلّلتها بوجبة تشتهيها رغم أنف أوامر الطبيب؟ لو بقيت قليلاً.. لكنت مشّطت شعرها الأبيض الناعم ورششتُ عليه عطرها المفضّل؟ لكنت فلشتُ صورها القديمة، وتغزّلت بجمالها الأخّاذ، وسمعت منها حكايات عمرها الجميلة..

لكن الأحبّة لا يستأذنون حين يحين الموعد..

مصارحة بطعم الوجع- كتبتها ابتسام في وداع أمها- ووبكل الدهشة والحب الكبير المخبأ داخل قلب لم يعرف يوماً إلا السماح..

لقد اطمأن قلب ابتسام أخيراً وبعد شوق عظيم، إلى ما أومأت به عينا أمها التي غابت بعد صراع طويل طويل مع الأمراض والآلام، حين سألتها: أمي هل تحبينني؟!! قالت العينان الذابلتان “نعم”..

هل أعظم من هذا الحب، بين ابتسام العائدة طفلة تحتاج ضمّة أم وحنّية أم، وبين الأم التي تشعر بكل هذا العشق من دون أن تستطيع الردّ عليه إلا بإيماءة من عينين أرهقهما العمر والتعب؟

هذا سينسي ابتسام كل قهر العمر.. ابتسام التي تتجاوز بصبرٍ جميل إصابتها في تفجير مرفأ بيروت، وتلملم جراحها الكثيرة بعزيمة.

ستبقى ابتسام تشكر الله على نعمه وبلاءاته، وتنجح وتصمد وتتميّز وتتعالى فوق كل الصغار الذين نهشوا خبرتها، الذين صدّقوا أن ظلهم تمدّد.. لكنها تعرف جيداً أنهم في الآخر كما في الأول مجرّد ظلال..

ابتسام غنيم، في عليائها ستفخر أمك بكِ، دوماً، سترعاكِ “من فوق”، راضية عن يديكِ اللتين غسّلتاها وكفّنتاها وتقرّبتا إلى الله فيها.. ورافقها وجدانك ونقاؤك إلى ما بعد القبر.. حيث العالم الأحلى، خالٍ من الآه والآخ والحسرة..

“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة”.. يحلو هذا الكلام الشريف المقدّس.. ويبرّد القلب.. قلب ابتسام، لها منا خالص العزاء والاحترام والمحبة..

في ما يلي، ونقلاً عن موقع الموقع الإلكتروني الذي ترأسه العزيزة ابتسام، ما كتبت وما صوّرت في وداع والدتها السيدة الفاضلة فايزة محمد خضر الحنبلي المصري.. 

أُمّي…رحلت وهكذا اجابت على السؤل الاخير؟

التعليقات